منتديات الويلان

منتديات الويلان (http://www.al-welan.com/vb/index.php)
-   منتدى الشــريـعــة والحـيــــاة (http://www.al-welan.com/vb/forumdisplay.php?f=44)
-   -   إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (http://www.al-welan.com/vb/showthread.php?t=29224)

ريم الفلا 09-14-2014 02:19 AM

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ

http://articles.islamweb.net/PicStor...775_193522.jpg


«بطر النعمة» من أبشع أنواع البطر وأشدها على النفس وأسوءها عاقبة ومذمة، خاصة وأن صاحبه انقطعت عنه الحجة وسقطت منه المعذرة، فصدور العصيان ممن هو في غاية الإنعام أقبح القبائح وغاية الخسران، وقد كان الأولى بالمتنعمين لزوم عتبة الشكر والاستمساك بعروة الحمد، ولكنها النفس الدنيئة التي تعلقت بالدنيا واطمأنت لها حتى تناست يوم الجزاء.

قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] تعليلٌ لابتلائِهم بما ذُكِرَ من العذابِ أي إنَّهم كانُوا قبلَ ما ذُكِرَ من سُوءِ العذابِ في الدُّنيا منعّمينَ بأنواعِ النعمِ من المآكلِ والمشاربِ والمساكنِ الطيبةِ والمقاماتِ الكريمةِ منهمكينَ في الشهواتِ فلا جرمَ عُذبُوا بنقائضِها.[تفسير أبي السعود: 6/262].
قال السعدي أي: قد ألهتهم دنياهم، وعملوا لها، وتنعموا وتمتعوا بها، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل، فهذا هو الترف الذي ذمهم الله عليه.[تفسير السعدي: 1/834].

وقال تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11] النَّعْمَةِ: الترفُّه، فطلبُ اللذات والتنعُّم شَغَلهم عن التبتُّل حتى افترقت قلوبُهم وأرواحهم، وأشركوا مع الله غيره. [البحر المديد: 6/442]
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: توبيخا لهم بأنهم كذبوا لغرورهم وبطرهم بسعة حالهم، وتهديدا لهم بأن الذي قال {ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} سيزيل عنهم ذلك التنعم. وفي هذا الوصف تعريض بالتهكم، لأنهم كانوا يعدون سعة العيش ووفرة المال كمالا، وكانوا يعيرون الذين آمنوا بالخصاصة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ}[المطففين: 29-30]،وجعلهم ذوي النعمة -المفتوحة النون- للإشارة إلى قصارى حظهم في هذه الحياة هي النعمة، أي الانطلاق في العيش بلا ضيق، والاستظلال بالبيوت والجنات، والإقبال على لذيذ الطعوم ولذائذ الانبساط إلى النساء والخمر والميسر، وهم معرضون عن كمالات النفس ولذة الاهتداء والمعرفة، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44].

والإنسان متى استرسل مع لذاته وشهواته ربما ارتكب من الحماقات ما هو أشبه بالجنون، وقديما قالوا: «إذا جاء الترف أصاب الحضارة التلف» .. ففي أوروبا نجد الأسبان قد أدمنوا ما يعرف بمصارعة الثيران حيث يبرزون شجاعتهم أمام ثيران ضخمة وخزا بالسيوف على مرأى ومسمع من جمعيات الرفق بالحيوان التي صدعونا بشعاراتها، بل للأسبان يوما في العام تجري الثيران في الشوارع والطرقات ويتعرض لها الشباب في مهرجان كارثي لا يثمر سوى آلاف الجرحى وربما القتلى، كما يحتفل الأسبان كل عام ولمدة أسبوع كامل بمهرجان الطماطم، حيث يتراشق أكثر من أربعين ألف شخص في مقاطعة «فالنسيا» بالطماطم فيتلفون في معاركهم الهزلية تلك نحوا من مائة طن منها.

وفي سويسرا مهرجان للبصل يقام في شهر نوفمبر من كل عام، يتفنن فيه المشاركون في تصميم أشكال فنية بديعة من البصل، وفي كافة الدول الأوروبية أقيمت فنادق للكلاب ومنهم من وهب ثروته لكلبه، وفي عالمنا العرب تسرب إلينا بعض الهوس بموسوعة الأرقام القياسية ولأننا لا باع لنا في دنيا العلوم والتكنولوجيا والاختراعات فصرنا نسمع أن أكبر طبق تبولة أو بقلاوة، وأكبر صينية كبة، وأكبر سلة فواكه، وأكبر قِدْرة فول وغيرها.

وإن تعجب فلك أن تعجب مما جاء في تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية «فاو» أن الجفاف والحرب في شرق أفريقيا خلفا أكثر من عشرين مليون شخص وهم في حاجة ماسة للمعونات الغذائية الطارئة. وأضافت أن 6500 شخص يموتون يوميا في أفريقيا بسبب الجوع، وأن مائة مليون طفل يعاني من الجوع في هذه القارة الغنية بالثروات. ومن المفارقات التي أظهرها التقرير أن أعداد البدناء في العالم تجاوز الآن المليار نسمة، وهي نفس أعداد من يعانون من سوء التغذية!!.

ولذلك لم يذكر القرآن الكريم الترف إلا في موضع الذم، لأنه بريد الجحود قال تعالى: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف:26-30] {وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} [الفرقان:18].

فالإغراق في التنعُّم والتَّرف سبب لِنُزول بلاء الله وعقابه، والحرمان من النَّصر والظفر؛ {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: 64 – 65]، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 11- 13].

وأصحاب الترف أصحب رأي معوج وحقائق مقلوبة ومنطق سقيم، فيستدلون بالنعمة على محبة الله لهم رغم معصيتهم وعنادهم، قال تعالى" {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}[سبأ: 34 – 35] ولذلك رد الله عليهم: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:36-37]
بل إنهم لا يقتصرون في غيهم على أنفسهم بل هم دعاة فتنة وخراب، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16].

وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون:33-38].

والترف داء الأمم على مر الزمان، وهو الداء العضال والمرض القتال، الذي يحول المرء إلى وحش كاسر لا هم له إلا شهوته ولذته، فتموت نخوته وتضمحل غيرته وتفتر همته، فإن استَشرى الترف في أُمَّة، ذهب بعزِّها، وأورثها كسلاً وخمولاً، ورُكونًا إلى الدنيا، ومحبَّة لها، وحِرصًا عليها، فلا يُرتجى منها نفعٌ، ولا يُنتظر منها دفاعٌ عن الحق. قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[هود: 116].

ومن كنوز الوصايا النبوية قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين" [رواه أحمد]
ورغم أن الترف شيد على الغنى وبني على بحبوحة العيش لكنه ليس بلازم له، فكم من غني يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه، وكم من فقير نهم لتحصيل الملذات وإن غرق في الديون أو امتدت يداه للحرام .. قال - صلى الله عليه وسلم-: "لا بأس بالغنى لمن اتقى والصحة لمن اتقى خير من الغنى وطيب النفس من النعيم". قال محمد بن كعب: الغني إذا اتقى آتاه اللّه أجره مرتين لأنه امتحنه فوجده صادقاً وليس من امتحن كمن لا يمتحن.

فارس عنزة 09-14-2014 04:39 PM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
ريم الفلا أحسنتِ
فما نراه من تبذير وإسراف في المأكل والملبس والتسوق
تجاوز الحدود المقبولة وهذا نتيجة الثقافة الرأسمالية التي
تغلغلت في بلداننا وأصبحت جزء من عادات المجتمعات
الإسلامية والعربية .
شكراً لك،،

رياح الوفاء 09-15-2014 02:30 AM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
جزاك الله خير اختي ريم الفلا

وبارك فيك على النقل القيم

الله يبعد عنا الأسراف والتبذير

لك شكري

نايف النمران 09-15-2014 08:45 AM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
جزاك الله خير اختي ريم الفلا

وبارك فيك على النقل القيم

لك شكري


ريم الفلا 09-16-2014 06:29 AM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فارس عنزة (المشاركة 340413)
ريم الفلا أحسنتِ
فما نراه من تبذير وإسراف في المأكل والملبس والتسوق
تجاوز الحدود المقبولة وهذا نتيجة الثقافة الرأسمالية التي
تغلغلت في بلداننا وأصبحت جزء من عادات المجتمعات
الإسلامية والعربية .
شكراً لك،،

بارك الله فيك اخي فارس وفي مداخلتك الرائعة
الف شكر لك على مرورك الطيب
احترامي لك

ريم الفلا 09-16-2014 06:31 AM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رياح الوفاء (المشاركة 340414)
جزاك الله خير اختي ريم الفلا

وبارك فيك على النقل القيم

الله يبعد عنا الأسراف والتبذير

لك شكري

ربي يجزاك الجنة اختي رياح ولايحرمك اجر دعائك الطيب
تحياتي وتقديري لك

ريم الفلا 09-16-2014 06:33 AM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نايف النمران (المشاركة 340415)
جزاك الله خير اختي ريم الفلا


وبارك فيك على النقل القيم

لك شكري

ربي يجزاك الجنة اخي نايف ولايحرمك اجر دعائك الطيب
تحياتي وتقديري لك

الخيالة 03-01-2015 02:24 AM

رد: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
 
اثابك المولى ع الطرح المفيد


الساعة الآن 12:55 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.