منتديات الويلان - من تقاليدنا العربية الأصيلة (( الصلح بين العشائر))

من تقاليدنا العربية (( الصلـــــــــــــــــــــح بين العشائــــــــــــــــــــر))

مهما بلغت درجة العداوة والخصومة بين عشيرتين لايكون الامل بالصلح بعيدا" بل هو يحتمل المبادهة والشروع في كل وقت، فاذا ضغطت الحوادث الخارجية السياسية أو الاقتصادية أو حدثت مفاجئة اثرت في الفريقين المتنازعين أو فرضت الحكومات والسلطات رغبتها وأكرهت في مثل هذه الحالات يعرض الصلح ثم يدرس ويبحث فيه ثم يقبل.وها نحن ذاكرون امثلة على ذلك
في شتاء 1924-1925 م كلب البرد الشديد واشتد المحل بما لم يبق له نظير وضاق ذرع البدو ورأت العشائر ضرورة قصوى لتجاوز مناطقها المعتادة خوفا" من الجوع والتلف فاجتمع الرؤساء وقتئذ وتفاهموا وهيئوا لعشائرهم ميادين للنجعة دون ان يحدث بينهما نزاع ما ، ثانيا" : في سنة 1924 . شعرت عشائر عنزة بخطرعشائر نجد ، وقرب هجومها على بادية الشام . فتصالح نوري الشعلان ومن ورائه عشائر ( ضنأ مسلم ) كلها مع ابن هذال شيخ عمارات العراق وتأهبوا للقاء الخطر المداهم . ثالثا": وفي حزيران سنة 1931 م تصالح الخصمان اللدودان الموالي والحديديون في مؤتمر عقد في سلمية بأكراه السلطات الفرنسية ومداخلتها . وانتهى الحرب الذي كان مزمنا" بينهما . على ما سنذكره في بحثهما .
والمصالحات يعقد لها مجالس ومؤتمرات ، وهي اعمال طويلة جدا" ومملة ، تؤدي الى مناقشات ومداورات لا تعد ولا تحصى . وقد تنقطع هذه المجالس او المؤتمرات ثم تستأنف ويعاد الحديث مرارا" ، ومن اراد الحصول على نتيجة صالحة في هذه المصالحات ، ينبغي أن يكون طويل البال الى أبعد مدى صابرا" حازما" ، لأن طول البال والصبر والحزم صفات تؤدي الى تعب الفريقين المتخاصمين وسئمها واضظرارهما الى المسامحة والمصالحة .. وعند شيوخ البدو القائمين بأعمال المصالحة قدر وافر من هذه الصفات . اما كيفية وقوع الصلح .فهي انه حينما تنهك قوى احدى العشيرتين المتخاصمتين، سواء أكان ذلك من خسائر في النفس أو الماشية أو من الاضطراب الذي يعتريها من جراء ترك مناهلها ومراعيها المعتادة، تتقدم بواسطة شيخها الى شخص ثالث من الشيوخ المحايدين ذو الكلمة النافذة .فيفتح هذا ابواب المفاوضة سراً وبلباقة، الى ان يوفق لعقد هدنة بين الفريقين تعرف عندهم بالعطوة وتبقى لمدة معلومة يمتنع في خلالها تجاوز احد الفريقين على الاخر وذلك بكفالة ذلك الشيخ المحايد ثم ينتخب كل فريق محكميه من الشيوخ البعيدين عن الفريقين ومن المعروفين بحكمتهم على ان يقبل كل فريق محكمي الاخر بالتقابل ثم ان مكان اجتماع لجنة التحكيم يتفق عليه بعد نقاش، وحينما تجتمع لجنة التحكيم في الوقت المعين يدرس اعضاءها الاختلافات وعواملها وتأثيرها، ويبحثون في الباديء في التعدي ويستنطقون شيوخ العشيرتين المتخاصمتين على انفراد، ثم ينظم المحكمون قائمة مفصلة بالخسائر الواقعة لكل عشيرة ويقدرون قيمها ويقررون ،ومن النادر ان لاتقبل مقررات هذه اللجنة وهم يعلمون قرارهم للفريقين ويستمعون الى اعتراضاتهم وبعد ان يعيدوا المفاوضات والاستشارات يتوصلون في الاخر الى حل نهائي يرضي الجميع فإذا تم ذلك يطلبون شيوخ العشيرتين المتخاصمتين واعيانها ويجمعونهم في بيت الشعر الذين استقر فيه المحكمون، وبعد تنزيل قسم من التضمينات المفروضة يتم الصلح نهائياً ورسمياً وحينئذ تتصافح الايدي وتتعانق الوجوه وتقبل اللحى ويتناول الجميع الطعام سوياً، ولابد ان يكون هذا الصلح حقيقيا ومادياً ومؤيداً بكفالات قوية ولا لايكون طويل المدى والنفوذ لاسيما اذا كان نتيجة الضغط والاكراه.
هذا وكلما كانت الخصومات قديمة طالت المفاوضات والمساومات ومثل ذلك كلما كانت اسماء الفاعلين في الخصام غير معينه قليلاً او كثيراً ، وكذا كلما كانت الاضرار والخسائر عند الفريقين فادحة ومايلحظ ايضاً ان المصالحات التي تجري تحت ضغط الحادثات يمكن ان تنفسخ حينما تزول الحادثات التي اوجبت عقدها وها نحن الان نذكر الاسس التي يعقد عليها الصلح فهذه ذات شكلين ( التعويض المتقابل - الحفر والدفن).
1. ان المصالحة على اساس التعويض المتقابل لايمكن ان تتم مالم يكن العداء حديثاً والاضرار التي اوقعها المتخاصمان طفيفة واذا حدث عداء بين عشيرتين على اثر حادث ما كقتل أو خطف فتاة أو سرقة، واذا كان هذا العداء اوقف في حينه بتوسط اشخاص اخرين أو بحوادث فجائية، يمكن ان يتم الصلح بسهولة وكل عشيرة تحسب دية الرجال الذين قتلوا بما يعادل 33333 قرشاً ذهبياً للرجل المقتول ونصف هذا المبلغ للفرس اي ان كل فرسين برجل وتحصى الابل والغنم والحمير المسروقة حساباً دقيقاً ويقسم ممثلوا الفريقين على حصة الارقام التي يدلون بها فقوائم الحساب تعرض على الحكمين وهم يقومون بعملية الجمع والطرح ويسمون العشيرة المكلفة بدفع الفرق الزائد على قاعدة (هفا من وفا) .واذا اعيدت الاموال ودفعت ديات القتلى تجرى حفلة الصلح الرسمية، هذا وكل من يقع من القتل والتلف خلال مدة (فورة الدم) وقدرها ثلاثة ايام وثلث اليوم لايدخل في حساب الصلح بل يدخل مايهدر ويتلف منذ اليوم الرابع.
2. اما الحفر والدفن فمعناه السماح العام أو ما يسمونه(حفار ودفان عن كل مانجي وبان) ومعناه تناسي كل ماوقع بين الفريقين المتخاصمين، ودفن المطالبات والسماح بها وهذا النوع من الصلح يقبل في الغالب حينما تكون الضغائن قديمة العهد والمخاصمات امتدت زمناً طويلاً واصبح الصلح على اساس التعويض المتقابل غير ممكن الاجراء.
واذا كان ميزان القتلى مائلاً كل الميل الى جانب واحد وأهمية المنهوبات وكمياتها التي نهبها هذا الفريق أو ذاك بلغت حداً لايمكن تعويضه أو حسابه وعلى كل حالة تربط شروط الصلح بكفالة اذ يقوم كل من الفريقين كفيلاً من زعماء العشائر الاخرى يضمن تنفيذ شروط الصلح وبحق عشيرته، وبعد ذلك يتبادلون الزيارات والمعاملات دون خشية بعضهم بعضاً والبدو الرحل ليس من عاداتهم ان ينظموا وثائق خطية بل يكتفون بشهادة الشهود الشفهية اما البدو نصف الرحل فهم بالعكس يطالبون بوثيقة تبقى حجة لمدعياتهم فيما اذا اخل أحد بشروط الاتفاق والصلح وطريقة انشاء هذا العقد او الوثيقة تفتح مجالا لمباحثات عديدة واحيانا توجب كلمة او جملة واحدة الرجوع الى المناقشة والمماحكة في الموضوع من أوله.
المصدر (عشائر الشام) لااحمد وصفي زكريا