عرض مشاركة واحدة
قديم 11-30-2007, 10:16 AM   #3




 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 229
معدل تقييم المستوى: 208
الشملانيه is on a distinguished road
افتراضي رد: الدليل لسكان خيبر الاصليين(قبيلة عنزة)

[align=center]قبيلة عنزة :
أول قبيلة ابتدأ بها المؤلف في كتابه الآنف الذكر هي قبيلة عنزة في المجلد الأول ، وقد كتب عنها إجمالا ثم أفرد كتابات خاصة لقبائل عنزة الكبرى مثل العمارات والرولة والسبعة والفدعان والحسنة وولد علي وسوف نأتي على ذكرها تباعا أنشاءلله .
وإليكم ماقاله عن عنزة :

قبل أكثر من مائتي عام ، غادرت قبيلة بدوية شريطاً أرضياً مجدباً من الجزيرة العربية ، امتد من المدينة عبر منطقة الطفح البركاني حرّة خيبر في اتجاه الشمال الشرقي ، وبلغ أراضي المراعي الغنية ، التي تنبسط فيما وراء صحراء النفود الرملية ، وتقود إلى الأرض المحببة عند البدو : سورية وبلاد الرافدين . ملأ القادمون الجدد ، الذين سمّوا أنفسهم عنزة ، الصحراء السورية خلال بضعة عقود ، وتحولوا خلال فترة قصيرة إلى مصدر رعب بالنسبة إلى سكان الأراضي الزراعية . منذ ذلك الوقت ، شكلت عنزة أكبر قبيلة رحل في الشمال ، ودأبت على الظهور صيفاً في أرجاء سورية وبلاد الرافدين ، بصحبة قطعان جمالها ، والإنسحاب شتاء إلى جوف الصحراء ، بل والعودة – في بعض الأحيان – إلى موطنها القديم . لم تغير الحرب العالمية والمدنية الأوربية حياة عنزة إلا قليلاً .
وإذا كان اسمها قد فقد الكثير من إيحاءات الرعب التي لازمته ، فإن الحكومات ما زالت تعتبر عشائرها الكبيرة : الفدعان والرولة في الغرب ، والعمارات في الشرق ، عاملاً تحسب له ألف حساب .
تنتمي عنزة إلى أقدم قبائل الجزيرة العربية . ويمكن تتبع تاريخها إلى الحقبة الجاهلية . أما أقدم خبر عنها ، فهو حكاية خرافية تروي قصة رجل اختفى بينما كان يبحث عن القرظ ، وهي أوراق طلحية النوع تستخدم في الصباغة ، ولم يظهر له أثر بعد ذاك . هذه الحكاية تركت أصداءها في جميع اللهجات ، حتى صار يقال : " عندما يعود جامع القرظ من عنزة " ، أي عندما يأتي يوم لن يكون أبداً . يعتقد اللغويون العرب أنهم يعرفون من كان جامع القرظ هذا : إنه يَذُكر ، أحد أبناء أب القبيلة الأول . ويزعم المؤرخون أن الحكاية تجري في زمن سحيق محدد : فعندما كانت القبائل العربية تسكن موحدة في منطقة مكة ، شكل اختفاء يذكر ابن عنزة سبباً لحرب فرقتهم بعضهم عن بعض ، ونثرتهم في جزيرة العرب بأسرها . إن السياق الذي تندرج الحكاية فيه ، هو نتاج التفكير الإسلامي ، الذي أراد وضع مكة في موضع مركزي حتى خلال العصر الجاهلي . مع ذلك ، فإن افتراض قدم عنزة لا يمكن أن يستند إلى تعسف صرف ، خاصة وأن علم الأنساب يؤكده .
يدرج علم الأنساب عنزة في عداد عرب الشمال ، وأنهم من ربيعة . تقول شجرة نسب القبيلة : هو عنزة بن أسعد بن ربيعة . وتبين نظرة إلى الجدول الذي وضعه فوستنفيلد أن عنزة أقدم بستة أجيال من بكر وتغلب ، الممثلين الرئيسين لربيعة . هكذا يضفي علماء الأنساب طابعاً مشخصاً على عمر القبيلة .
أقرب معلومات متوفرة لدينا عن القبيلة تعود إلى العصر السابق مباشرة للإسلام . كانت عنزة آنذاك موزعة على منطقتين ، الأولى في الشمال الشرقي على حدود الفرات ،والثانية في اليمامة ، قلب شبه الجزيرة العرب . كانت عنزة الشمال قبائل رحلاً ، أما في وسط جزيرة العرب فكان قسم منها على الأقل مستقراً . ولم يكن للمجموعتين احتكاك سياسي فيما بينهما . كما جرى تاريخهما لاحقاً في دوائر منفصلة أيضاً ، فتحولت عنزة الشمال إلى أسلاف للقبيلة الحديثة ، وذابت عنزة اليمامة في قبائل شرق ووسط جزيرة العرب المستقرين .
كان بنو هزان القبيلة الرئيسة من عنزة في جزيرة العرب ، وكانت منطقتهم تقع جنوب المكان الذي يخترق فيه وادي حنيفة جبل طويق ، بين واحة الخرج الحالية وحريق . فيما بعد ، يرد ذكر عنزة في مناطق أبعد جنوباً ، حيث لا تزال ذكريات حكم قبيلة عنزة حية إلى اليوم في الأفلاج ، بل إن قرى عنزة وجدت إبان العصر الوسيط حتى وراء منطقة طويق ، في عمق الطائف ، وقد اندثرت تلك القرى عام 597 هـ / 1200 م بسبب الطاعون ، عدا اثنتين منها . في حين هاجر الآخرون إلى الشاطئ الشرقي لجزيرة العرب ، وخاصة منهم فرع بني عتبة ( العتوب ) ، الموجود في الكويت وقطر وجزر البحرين ، وينتمي إليه البيتان الحاكمان في الكويت والبحرين . بالمقابل ، بقي بنو هزان تحت اسم الهزازنة في منطقتهم القديمة ، وبالتحديد في واحة حريق ، حيث يتكرر ذكرهم في الصحائف الوهابية التي تقول إنهم قاتلوا حتى عام 1913 م ضد حكام جزيرة العرب الحاليين .
يرتبط تاريخ عنزة الشمال ارتباطاً وثيقاً في الجاهلية وفجر الإسلام بتاريخ أقاربهم من قبيلة بكر . فقد كانتا تعيشان في منطقة واحدة ، إمتدت بين كربلاء الحالية ومصب الفرات في المنطقة الزراعية من العراق ، ووصلت جنوباً إلى المناطق الداخلية من شرق الجزيرة العربية مروراً بالمجرى الأدنى لوادي الرمة . كما تشاركتا سياسياً في اتحاد اللهازم ، الذي ضم عنزة وبعض قبائل بكر . ومع أن المسيحية حققت في القرن السادس تقدماً كبيراً بين قبائل الفرات الأدنى ، غير أن عنزة بقيت حتى ذلك الحين وثنية في غالبيتهم ، يعبدون الإله سعير ( سُعير ) ، ويشاركون قبائل أخرى من ربيعة عبادة المحرَّق ، الذي وجدت صورة له في السلمان ، جنوب ما عرف فيما بعد بالكوفة . لا يخبرنا التاريخ الإسلامي شيئاً عن اعتناق عنزة للإسلام ، وإن كان معروفاً أنهم شاركوا غيرهم من اللهازم في الردة في شرق الجزيرة العربية ، التي حدثت بعد فترة قصيرة من وفاة النبي ، وشكلت إحدى ظواهر الردة الجزئية : تلك الحركة الإنفصالية التي مثلت لبعض الوقت تهديداً جدياً لدولة الإسلام الفتية . إنفصلت عنزة عن بكر ، التي دخلت أفواجاً في الجيش الإسلامي وخسرتها البداوة ، بعد حروب الردة مباشرة ، بينما بقيت عنزة وفية لطريقة حياتها البدوية ، فلم يرحل غير قلة منها إلى رباط مدينة الكوفة ، مركز جيش الشرق ، التي تم تأسيسها سنة 17 هجرية / 638 ميلادية . غير أن الحملة التي اتجهت نحو الشمال مع انطلاق حروب الفتح ، تركت أثرها على عنزة أيضاً ، التي غادرت منطقة انتشارها وقدمت إلى عين التمر ، حيث واحة شثاثة قرب كربلاء ، وإلى الأنبار .
فيما بعد ، إنقطعت أخبار القبيلة طوال قرون عديدة ، قبل أن يذكرها نصر الاسكندري ( المتوفى عام 560 هـ / 1165 م ) من جديد ، فهو يقول إنها تسكن غرب جزيرة العرب في حرّة النار ، أو حرّة خيبر . ولا نعرف لماذا ذهبت القبيلة إلى هناك ، وإنما نظن أن ذهابها كان يرتبط بالهجرات أو الإنزياحات السكانية التي أحدثتها حملات القرامطة منذ عام 900م ، وخاصة منها هجرة العقيل إلى العراق ، التي أوصلت في القرن العاشر واحدة من عشائرها هي الخفاجة ، إلى منطقة انتشار عنزة قرب عين التمر والأنبار .
كانت ظروف حياة عنزة صعبة في موطنها الجديد ، لأن حرّة خيبر منطقة طمي بركاني فقيرة بالغطاء النباتي ، تخلو من أراض زراعية خارج واحة خيبر الخصبة ، حيث توجد ينابيع فجرتها البراكين . هذا الوضع ، جعل مشاركة عنزة في ملكية الواحة والحصول على جزء من محاصيلها مسألة حياة أو موت بالنسبة لها . يخبرنا ياقوت أن هذا حدث في زمنه ( توفي عام 1229م ) . وقد رسخت عنزة حقوقها بعد ذلك ، وإن اقتصرت منذ القرن الثامن عشر على تلك الأجزاء من القبيلة التي لازمت جزيرة العرب . وصف دوتي ، أحد الأوروبيين القلائل الذين زاروا الواحة العلاقة القانونية بين عنزة وفلاحي خيبر ، فقال إن ملكية القبيلة تنصب بالدرجة الأولى على نخيل التمر ، حيث يتقاسم مالكها محصوله مناصفة مع البدوي الذي يشاركه فيها ، دون أن يقدم له أي شيء بالمقابل ، ما لم يتعلق الأمر بغرس أشجار جديدة . يضيف دوتي : أن حقوق الطرفين تقبل التنازل عنها ، شريطة أن يتنازل البدوي عنها لأعضاء في القبيلة ، ويبيعها الفلاح إلى فلاحين دون غيرهم . تعتبر الينابيع ، بدورها ملك القبيلة ، أي ملك عائلات معينة منها ، يقدم أهالي خيبر لها حبوباً مقابل حق الانتفاع بها . أخيراً ، تشارك عنزة في البيوت أيضاً . هذه الظروف السائدة في زماننا أيضاً ، يمكن إرجاعها دون تحفّظ إلى العصر الوسيط ، لأنها لم تتشكل تحت حكم عنزة ، بل ترجع إلى فجر الإسلام : حين احتل النبي محمد خيبراً عام 7 للهجرة ، ألزم سكانها اليهود با عطائه نصف محصولهم .
لم يحدث أي اختلاط بين عنزة وسكان الواحة ، رغم علاقاتهم الوثيقة بهم ، لأنهم ــ وغيرهم من سكان واحات الحجاز ــ كانوا من أخلاط زنجية قوية . وإن كان دوتي يورد حكاية أسطورية تذكر سبباً آخر لانعدام التزاوج بينهما : عندما جاءت عنزة في الماضي إلى مقربة خيبر ، ذهبت ابنة الشيخ إلى المدينة تتعرف على قريناتها ، فرآها شاب ولا حقها واعتدى عليها وكان ذلك الشاب ابن زعيم خيبر . طلبت عنزة ترضية تمحو بها عارها ، فرفض الفلاحون طلبها ، بل ومنعوها من الوصول إلى ينابيع المياه . وفي صبيحة اليوم التالي ، إمتطى شيخ خيبر حصانه وجاء عنزة يدعوها إلى القتال . وعندما نشبت المعركة وقتل الشيخ وكثير من قومه ، إحتل البدو قرى المنطقة ، وأقسموا أن لا يزوجوا بناتهم من رجال خيبر ـــ لم يحم هذا القرار القبيلة من مماهاتها مع الخيبريين ، ولكن ليس مع الخبيرين الحاليين وإنما مع يهود الواحة القدماء ، الذين كانوا قد طردوا عام 20 للهجرة من جزيرة العرب . لكن العرب لا يتعاملون ، كما هو معروف ، بدقة مع الحقيقة ، حين يلصقون العيوب بجارهم العزيز وهكذا فهم يسخرون من عنزة بوصفهم " يهود خيبر " . كما أيد الأوربيون ، من جانبهم ، الأسطورة التي تجعل من العنزة يهوداً ، فزعم نيبور أن هناك ثلاث قبائل يهودية في خيبر هي : بنو مزيد وبنو عنزة وشحان ، وأخبرنا فيستشتاين عام 1865 م بسذاجة : " أن الأمير اليهودي الأخير ، الذي لا تزال أعمال النهب التي قام بها شرق سورية ملء الذاكرة ، يسمى حمدان ، وكان شيخ عشيرة عبدالله ، الذين قدموا قبل حوالي 80 إلى 90 عاماً من الحجاز إلى الصحراء السورية ، واعتبروا فرعاً من الرولة ، وأقاموا مضاربهم معها .
ثم أجبروا في مطالع القرن العشرين على التحول إلى المذهب الوهابي ، شأن جميع قبائل الرولة وولد علي ، لكنهم لم يعودوا إلى الموسوية من جديد ، حين انفصل الجميع عن المذهب من جديد بعد سقوط الدرعية " .
ليس من المعقول أن تكون منطقة انتشار عنزة قد اقتصرت على حرّة خيبر وحدها . يسجل ابن خلدون ، وابن سعد ( منتصف القرن الثالث عشر ) ، الذي يرجع ابن خلدون إليه عادة في ما يتعلق بتواريخ البدو ، أن عنزة عاشت في نجد أيضاً بجوار طي ، أي في القسم الداخلي من البلاد . ونستدل من أحد المصادر القليلة المعروفة حول تاريخ وسط الجزيرة العرب بين عصري القرامطة والوهابيين ، أن عنزة وصلت خلال القرن السادس عشر إلى القصيم . ويعتقد أن انتشارها غدا ممكناً بفضل هجرة قبيلة بني لام ، التي انتقلت آنذاك من شمال جزيرة العرب إلى العراق . بدورهم ، تقدمت عنزة في وقت مبكر إلى الشمال ، مثلما يظهر من اسم جفر عنزة ، النبع الذي ذكره ياقوت ، الواقع شرق العلا . أخيراً ، إحتلت القبيلة حوالي القرن الخامس عشر واحتين قديمتين جداً تقعان على طريق الحج هما واحة العلا التي سبق ذكرها وواحة مدائن صالح .
تلقي المصادر من حين لآخر بعض الضوء على علاقات عنزة بالسلطات ، التي كانت قائمة آنذاك . وتقول إنها أبدت عام 666 هـ / 1267 م إستعدادها لدفع الضرائب إلى القاهرة ، لتتخلص ربما من الاتاوات التي كانت تؤديها إلى حكام آخرين ( شرفاء المدينة ؟ ) . أما في العصر العثماني ، فقد حصلت على حق الصرة ، العائد الجمركي الذي حرصت الحكومة على تأديته إلى حارسي طرق الحج ، وتلقت عام 1087 هـ / 1676م مبلغ 7116 تالر فضياً ، سدد منه 1054 تالر من الموازنة الأصلية ، ودفع الباقي في وقت لا حق . بما أن القبائل كانت تقابل تخفيض أموال الصرة أو الامتناع عن دفعها بغارات تشنها على قوافل الحج العائدة ؛ فقد نهبت عنزة عام 1112 هـ / 1703م الحجيج في منطقة الشريف الأكبر ، لأنه رفض دفع الصرة لها وألقى بعدد من أبنائها في السجن ، حيث مات قسم منهم . وقامت عامي 1115 هـ / 1703م و 1171 هـ / 1757م ، بغارات يشير موقعها ( معان ) إلى أنها كانت تتقدم آنذاك شمالاً .
بدا ت معالم توزع عنزة الجديد تظهر قبل الهجرة الكبيرة ، التي سبقت القسم الأخير من تاريخها . فقد حدد دوتي مناطق ترحال مختلف قبائلها ، وأخبرنا أن الجلاس ( الرولة ) تنقلت إلى الجنوب من حرّة خيبر ، بدءاً من المدينة مروراً بالحناكيه وصولاً إلى سميرا ، وقال إن أسماء الأماكن في محيط خيبر تحمل أسماءها ، ومنها وادي الجلاس وسوق الرولة . إلى شمال وشرق هذه المنطقة ، في منطقة وادي الرمة والقصيم ، سكن السبعة ، وسكن بعدهم العمارات : في جبال شمّر وحتى في شرق جزيرة العرب . أما مواقع قبيلة عنزة الرابعة الكبيرة ، أي الفدعان ، فهي غير معروفة ، وربما كانت تقع شمال الحرّة ، حيث يخيم الآن ولد سليمان ، المرتبطون حتى اليوم بالفدعان . إستولى ولد علي على غرب منطقة خيبر ، حيث لا يزال قسم منهم يسكن هناك إلى اليوم ، وإلى جوارهم على الأرجح الحسنة ، الذين تربطهم بهم صلة قرابة وثيقة .
لم يؤرخ أحد لا نتقال عنزة إلى سورية وبلاد الرافدين ، مع أنه أكثر أحداث تاريخ البدو الأحداث أهمية . إذا كانت المرحلة الأخيرة من حركة القبيلة ونتائجها واضحة أمام أعيننا ، فإن الغموض ما زال يلف بداياتها وأسبابها . وإذا كنا نحاول رسم تخطيط أولي لما جرى ، فلأن علينا ، بادئ ذي بدء ، تحرير أنفسنا من تصور قد يزين لنا أننا حيال حدث فريد في نوعه وخارق ، ولأننا نعلم أن ضغوط الحكام والمجاعات هي التي كانت تدفع البدوي إلى ترك موطنه ، مثلما حدث حينما كانت عنزة الحجاز ترحل من حين لآخر إلى حوران ، وكذلك آباؤهم الأولون الذين نصبوا مضاربهم وخيامهم على حدود سورية أو ضفاف الفرات ، قبل هجرتهم الكبيرة بوقت طويل . مهما يكن من أمر ، فقد فشل الأسلاف وتابعوهم في تثبيت أنفسهم بصورة خاصة ، بما أن الموالي ، الذين سيطروا على شمال الصحراء السورية ، كانوا يتقهقرون منذ نهاية القرن السابع عشر ، بينما كان الغازية يفكرون في ترك ما وراء كربلاء من أراض والانتقال إلى الجهة الأخرى من الفرات .
يرد أول الأخبار حول ظهور عنزة في الشمال بعد عام 1700م ، الذي سنعتبره أقدم فترة زمنية لهجرتها ، التي أوصلتها عام 1703م إلى معان ، وعام 1705م إلى الفرات . ومع أن مرويات القبيلة تحدد فترة أقدم بعض الشيء ، فقد ذكر شيخ الفدعان مقحم " مجحم " ابن مهيد عام 1913م أن أسلافه كانوا يسكنون خيبر قبل ثلاثمائة عام ، وعد فرحان ابن هديب عام 1899م سبعة أجيال من السبعة منذ غادرت خيبر ، فإن هذه التواريخ لا تتفق مع تواريخ ظهور القبيلة في سورية .
إستمرت الهجرة فترة تربو على القرن . كانت الحسنة والفدعان وولد علي أقدم القبائل التي بلغت الأراضي السورية . وانتهت ـــ الهجرة ـــ مؤقتاً بوصول الجلاس ( الرولة ) ، التي يجب أن تكون قد تمت في الثلث الثاني من القرن الثامن عشر ، حين استكملت القبائل الثلاث الأولى في تلك الحقبة تقريباً إحتلال مناطق انتشارها الصيفية الحالية ، فسكنت الفدعان السهب الشمالي بين حلب والفرات الأوسط ، والحسنه الفسحة بين حمص وتدمر ، وولد علي سهل حوران . أما الجلاس ، فكانوا آنذاك في الحماد ، حيث اقتصر انتشارهم على السهب بين بادية تدمر والنفود ، وإن تقدموا من حين لآخر إلى سهل حوران أو عبروا الفرات . ثم بدأت حوالي عام 1800م حقبة هجرة جديدة ، من آثارها الضغط الذي مارسه الوهابيون في الشمال منذ حوالي 1790م ، وأدى إلى فرار السبعة من وسط جزيرة العرب إلى الأراضي الواقعة شرقي حماه حيث لا زالوا إلى اليوم . وإنه لمن المشكوك فيه أن تكون القبيلة قد حققت بذلك هدفها الأصلي وهو التخلص من إزعاجات الوهابيين ، الذين وصل جباة ضرائبهم إلى الفدعان ، أبعد قبائل عنزة شمالاً ؟ . هاجرت العمارات آنذاك أيضاً من مواطنها في شرق جزيرة العرب إلى الشمال . لكن هجرتهم لم تكن هرباً ، بل قدموا تحت رايات الوهابية ، فأزاحوا الجلاس عن الفرات ، واستولوا تدريجياً على القسم الشرقي بأكمله من الصحراء السورية ، وإن بقيت أقسام قوية منهم في موطنهم القديم ، ولم تغادر القصيم موقعها إلا في ستينيات القرن التاسع عشر .
خاضت عنزة خلال تقدمها في الصحراء السورية معارك كثيرة . وهناك حكاية تصف الحرب الدموية التي اضطرت إلى خوضها ضد الموالي : سادة الشمال آنذاك .
بالمقابل ، يبدو أن احتلال سهل حوران لم يترك أي أثر يذكر في تقاليد القبيلة .
نريد الآن تصحيح ادعاء ورد أول مرة لدى فون بلنت ، ثم تسرب إلى معظم الكتابات الحديثة عن عنزة . يقول فون بلنت ، أثناء الحصار الثاني لفيينا ( 1683م ) ، وبينما كانت الحدود الجنوبية للإمبراطورية العثمانية بلا حراسة ، تقدمت شمّر من الجنوب إلى الفرات عبر الصحراء السورية . بعد عشرين عاماً ، تبعتها عنزة وطردتها بالتحالف مع الموالي إلى بلاد الرافدين ـــ لا تورد محكيات القبائل ولا إخباريات الرحالة القديمة ، سواء لدى نيبور أو بوركهاردت ، أي شيء عن هذه الأحداث ، التي تناقض كل ما نعرفه عن تاريخ القبيلتين . ذلك أن شمّر ، التي سكنت جبال شمال جزيرة العرب المركزية ، لم تعش في الحماد ولم تسكن أبداً بادية تدمر ، بل عاشت على حافة الصحراء السورية ، الممتدة على الفرات من الفلوجة إلى النفود . إلى هذا لم تدفع عنزة في القرن السابع شمّر إلى بلاد الرافدين عبر الفرات ، وإنما فعل ذلك الوهابيون حوالي عام 1800م . وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في الفصل القادم .
ثمة أمر واحد صحيح في أقوال فون بلنت ، هو أن شمّر وعنزة قبيلتان متعاديتان أباً عن جد ، ويرجع عداؤهما إلى الفترة التي كانتا تسكنان فيها جزيرة العرب ، وربما إلى وقت أقدم . عندما ارتحلت في وقت لا حق عنزة وقسم من شمّر نحو الشمال ، تزايدت مساحات الاحتكاك بينهما : فقد كانت الرولة حتى الأمس القريب في عداء شديد مع شمّر نجد في أقصى الجنوب بسبب منابع مياه ومراعي النفود ، واصطدام الفدعان بعيداً إلى الشمال بشمّر بلاد الرافدين ، الذين حاولوا ترسيخ وجودهم هناك . بين هذين الميدانين الرئيسيين للحرب ، الممتدين من خط جبل شمّر إلى أورفة ، كانت تحدث من حين لآخر غزوات سلب ونهب في الاتجاهين .
ثمة أعداء ألداء آخرون لعنزة هم سكان جبل حوران والصفاء ،و خاصة منهم الدروز . ولا عجب ، إذن ، أن تكون عنزة قد تبنت سلوكاً موالياً للحكومة خلال الانتفاضات التي قام بها الدروز ، ومنها ثورتهم الأخيرة على الفرنسيين عام 1925/1927م .
تقاتلت قبائل عنزة مرات عديدة بعضها ضد بعض أيضاً . ثمة صراع عام منذ أقدم الأزمنة بين البشر ، الذين ينتمي إليهم الفدعان والسبعة والعمارات ، وبين ضنا مسلم ، أي الحسنه وولد علي والجلاس ( الرولة ) ، أو بلغة جغرافية بين القبائل المخيمة على خط الفرات وتلك التي تخيم في سورية الأصلية . في المجموعة الأولى ، يشكل السبعة مجرد تابع سياسي للفدعان ، بينما يستقل العمارات بأنفسهم . لكن القبائل الثلاث هم " أصحاب " لذلك فهي لا تغزو بعضها بعضاً . في حين تخضع المجموعة الثانية لهيمنة الرولة منذ وقت طويل . بالمناسبة ، يتقاطع تجمع بشر ـــ ضنا مسلم في أحيان كثيرة مع تكوينات أخرى . من ذلك ، مثلاً ، أن تحالف السبعة ( بشر ) والرولة ( ضنا مسلم ) سيطر على موقع الحسنة في سورية .
وقد حدثت نزاعات دامية داخل الضنا مسلم
، وخاصة في الخمسينيات من القرن التاسع عشر ، عندما انتزع الرولة من ولد علي حق الرعي في سهل حوران .
عنزة بدو رحل ومربو جمال ، وإن رجحت منذ وقت طويل تربية الخراف لدى الحسنه وولد علي دون غيرهما ، وتقدمت بخطى ثابتة منذ العشرينيات لدى الفدعان والرولة ـــ يتطلب اقتصاد تربية الجمال مراعي واسعة ، يتم اجتيازها في تكرارية منتظمة تتبع وتيرة الفصول ؛ تضم منخفضاتها ووديانها الماء والمرعى شتاء ، وتقدم وديانها النهرية في بلاد الرافدين ، وأشرطتها الحدودية في المنطقة الزراعية السورية ، أماكن توقف ملائمة في مطالع العام ، وعندما تكون الشمس قد حولت السهب إلى صحراء ، تصل عنزة إلى الحقول ، وبمجرد أن يجني الفلاحون محاصيلها ، تغادرها في شهر أيلول إلى أطراف المنطقة الزراعية ، حيث تمكث بانتظار أمطار الخريف الأولى ، التي تهطل عادة خلال تشرين الأول أو الثاني ، قبل أن ترجع إلى السهب من جديد . لا تغري الحاجة إلى المراعي وحدها عنزة بالذهاب إلى الأرض الزراعية ، وإنما تقصدها أيضاً من أجل تصريف منتجاتها وشراء مؤونتها الشتوية من الحبوب ، والحصول على غذائها من التمر ، الذي تشتريه اليوم من شثاثة (( شفاثة )) ، واحة العمارات إلى الغرب من كربلاء ، وكانت تشتريه في الماضي من أماكن تقع داخل البلاد . كان الفدعان والعمارات يظهرون في مطلع القرن التاسع عشر بصورة دورية ، وكان الرولة وحتى الحسنه يظهرون من حين لآخر أمام النجف وكربلاء ، ويبعثون من هناك بقوافل ضخمة ـــ تحدث بعضهم عن أربعة آلاف جمل ـــ من أجل التسوق ، تصل حتى الحلة والديوانية .
كانت عنزة تؤجر جمالها لمن يريدون ترحيل محاصيلهم من الحقول ، ومن أجل عمليات النقل الحكومية والمشاركة في رحلات الحج . فيما بعد ، حدّ دخول وسائل النقل الحديثة من فرص الكسب هذه ، وجف منبع آخر من منابعه بعد الحرب العالمية ، هو الخوّة بأنواعها ، التي كانت تدفعها قبائل الرعاة قبل كل شيء ، المصاحبة لعنزة خلال ترحالها الشتوي ، ويؤديها كذلك قسم من السكان نصف المستقرين على تخوم الفرات الأوسط ، وقرى حوران والجولان ، والمواقع الطرفية من سورية كصدد والقريتين وتدمر . ويقال إن حمص وحماه كانتا تدفعان هذه الإتاوة أيضاً . أخيراً جف مصدر الكسب الثالث ، ألا وهو رسوم مرور القوافل ، التي كانت تدر عائدات كبيرة في القرن الثامن عشر ، بسبب ازدهار التجارة القارية . وتوقفت ، في النهاية ، موارد الصرة ، التي كانت حكراً على ولد علي .
كانت عنزة تستقل بنفسها في العصر التركي ، عندما تقوم بترحالها الشتوي ، قبل أن تعود خلال فصل الصيف إلى قبضة الحكومة ، التي كانت تستطيع عندئذ منعها من بلوغ الأسواق والمراعي ، ومنعتها من حين لآخر بالفعل ، لإجبارها على دفع الودي ( البدل ) ورسوم المراعي ة والأسواق ، ضمن مناطق معينة . أدت إقامة عنزة في الأراضي الزراعية إلى منازعات كثيرة مع السكان الأصليين ، أحجمت الحكومة عن التدخل فيها بوجه عام ، ما لم تهدد مصالحها المالية . عندئذ ، كانت الوسائل التي تستخدمها معروفة ، تقتصر أساساً على تحريض شيخ ضد آخر وقبيلة ضد أخرى ، واستدراج زعماء عنزة إلى كمائن وأفخاخ ، مع ما في ذلك من انتهاك لحقوق الضيف .
تصاعد نفوذ الحكومة على عنزة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، بحيث أخذ باشا دمشق يتحكم في ترحال الرولة الصيفي عام 1878م ، مع بروز تطلعات رسمية إلى حرمانها من حياة الترحل . صحيح أن محاولة أرسلان باشا ( متصرف دير الزور حوالي عام 1870م لتوطين السبعة قرب الدير قد أخفقت ، لكن قبيلتي ولد علي في حوران والحسنة قرب حمص بدأتا تمارسان الزراعة في نهاية القرن ، بعد أن ساد الأمن المنطقتين . وتحول عنزة الكبار جميعهم إلى ملاّك قرى وأراض أهداها إليهم السلطان عبدالحميد ، وشدتهم الحكومة إليها خلال منحهم مناصب والقاباً وقروضاً مالية .
جسد الباشاوات في نظر عنزة الدولة التركية . وجسدها كذلك أصحاب السلطة في شمال جزيرة العرب ، أي أمراء جبل شمّر من بيت ابن رشيد ، وحكام حائل منذ عام 1838م ، وملاك واحة الجوف ، الذين كانوا يستطيعون التحكم بالرولة ، لحاجتها إلى الواحة كقاعدة شتوية لها . وهكذا ، كان محمد بن رشيد ( 1896م ـــ 1838م ) يستطيع فرض سلطته على العمارات والسبعة أيضاً ، وإن كانت الصراعات الدموية التي نشبت بين أخلافه فيما بعد قد قوضت مكانة بيت آل رشيد ، بينما كانت مملكة الوهابيين ، التي خيل للبعض أنها ماتت ، قد عادت إلى الحياة من جديد في الجنوب ، بفضل عبقرية ملك جزيرة العرب الحالي ، عبدالعزيز آل سعود . فهم الشعلان ، أسرة شيوخ الرولة ، كيف يفيدون من هذا الوضع ، فاستولى نواف ، ابن الشيخ نوري ابن الشعلان ، على واحة الجوف بانقلاب أنجزه عام 1909م ، أدى إلى استعار الحرب من جديد بين عنزة وشمّر في الموقع عينه ، بعد أن كانت قد خمدت طوال عقود .
كانت القوى السياسية في الصحراء السورية وشمال جزيرة العرب موزعة قبل انفجار الحرب العالمية على النحو التالي : إستمر التناقض في الشمال بين البشر ( فدعان والسبعة ) وبين الضنا مسلم بقيادة الرولة ، وهو تناقض غذاه الأتراك وعملوا على إبقائه حاداً . وتواجه الرولة وابن رشيد في الجنوب بعدائية متعاظمة ، بينما شل آل سعود حركة ابن رشيد . في هذه الظروف ، حددت عنزة موقفها في ضوء سلوك مملكتي الواحات في الجنوب ، الذي تحدد منذ البداية بميل آل سعود إلى الإنجليز ، لأن مرفأهم عجير (( عقير )) كان في مرمى مدافع سفنهم ، وبولاء ابن رشيد للأتراك ، الذين كانوا يستطيعون قطع الامدادات ، التي تصله بواسطة سكة حديد الحجاز ، وتلك التي تأتيه من العراق . هذا الوضع ، أجبر الفدعان والسبعة على إقامة علاقة ودية مع الحكومة ، وفرض على الرولة علاقة عدائية حيالها ، عززتها أسباب شخصية : منها أن الشيخ نوري ابن الشعلان لم ينس أبداً السجن التركي الذي أجبر على قضاء عامين فيه ، وأن ابنه نواف أصيب بعدوى الدعاية القومية العربية المؤيدة من المحور . على كل حال ، تعينت سياسة الصحراء في الشمال بمشاغل شخصية مباشرة أول الأمر : وما إن دخلت تركيا الحرب في تشرين الأول من عام 1914م ، حتى فرت القبائل بأقصى سرعة من الأراضي الزراعية ، كي لا تدفع ضرائب حربية وتتعرض أملاكها لمصادرات الحكومة التي كانت قد بذلت جهوداً مكثفة استهدفت إقامة سلام عام بينها ، تستطيع معه التفرغ لحملاتها الحربية في سيناء والعراق ، وهو ما تحقق بالفعل مطلع عام 1915م . في سنوات الحرب اللاحقة ، بدأ التكوين السياسي الذي رسمنا صورته ، يؤثر في عنزة ، فانضم العمارات ، أي عنزة الفرات ، إلى الانجليز بعد استيلائهم على بغداد ( 11 آذار 1917م ) ، وتكفلت مجاعة عام 1917/1918م بإخضاع أجزاء كبيرة من الفدعان والسبعة لنفوذهم ، ولم يأت عام 1918م إلا وكان مائة ألف بدوي ينصبون خيامهم بجوار واحة شفاثة . بينما كانت منطقة عنزة الغربية قد تحولت بدورها إلى ساحة حرب ، إذ كان الحجاز في حالة عصيان تام منذ عام 1916م ، وتقدمت قوات الشريف حسين عام 1917م من مكة إلى شرق الأردن ، بقيادة ابنه فيصل ولورانس . في حمأة هذه التطورات ، إمتنعت الرولة عن الاشتراك في القتال ، ولم تنخرط في العمليات الحربية إلا في أيلول من عام 1918م ، عندما كانت المقاومة التركية قد تقوضت تماماً . وقد دخل شيخهم نوري ابن الشعلان في تشرين الثاني من العام ذاته إلى دمشق بصحبة الجيش العربي / الانجليزي .
لا حق زعماء عنزة مصالحهم بحنكة كبيرة ، أثناء لعبة الدسائس التي انصبت على تركة الإمبراطورية العثمانية ، فاتخذوا موقفاً يتسم بانعدام الثقة بمملكة فيصل الوليدة ، حتى أن ابن سُمير ، شيخ ولد علي ، منح صوته للانتداب الفرنسي خلال الإستفتاء الشعبي الذي جرى في تموز من عام 1919م ، وأخذ يتقرب من الفرنسيين ، عندما كان هؤلاء لا يزالون بعد في بيروت . أما نوري ، الذي حافظ على ولائه لفيصل ، فلم يشارك في المعركة ضد الفرنسيين على أبواب دمشق ، وأعلن بعدها مباشرة ولاءه لهم . بدورهم ، بقي العمارات موالين للانجليز ، حتى الفدعان أنفسهم حيال قرار صعب ، بسبب حرب الحدود التي نشبت عام 1920م . ووجد الفدعان أنفسهم حيال قرار صعب ، بسبب حرب الحدود التي نشبت عام 1920م بين الفرنسيين والقوميين الأتراك في شمال سورية ، حيث راهن شيخهم مقحم (( مجحم )) ابن مهيد على الورقة التركية . أخيراً ، شعر الرولة بالضيق من تقدم آل سعود ، في جنوب منطقة عنزة . عندما كانت مملكة ابن رشيد قائمة ، كان آل سعود حلفاء طبيعيين للرولة . غير أن ذوبان حائل ( سقطت مطلع تشرين الثاني من عام 1921م وإمارة شمّر في الدولة الوهابية ، غير علاقتهما ، خاصة بعد أ ن احتل ابن سعود واحة الجوف واستولى على الكاف وقرى الملح الأخرى في وادي سرحان ، التي كانت مصدر موارد مالية كبيرة بالنسبة إلى شيوخ القبيلة ، وقد زاد من حنقهم أن دعايات الأخوان الدينية أوهنت روابطها . في هذه الأجواء ، لم يجد نوري ابن الشعلان مفراً من إجراء مفاوضات شخصية مع ابن سعود ، الذي كان قد أعلن نفسه في هذه الأثناء ملكاً على الحجاز . ذهب نوري عام 1925م إلى مكة ، لكنه قوبل بجفاء ، كما يقال . لكن علاقته مع آل سعود ما لبثت أن تحسنت فيما بعد ، حتى أنه زوج قبل فترة قصيرة حفيدتيه من الملك وابنه البكر .
أدى قيام نظام الدول الجديد في الشرق الأدنى إلى توزع عنزة على منطقة الإنتداب الفرنسية في سورية ، ومملكة العراق ، وإما شرق الأردن التابعة للإنتداب الانجليزي في فلسطين ، ومملكة الحجاز ــــ نجد . ولأن مناطق انتشار القبائل المختلفة تتقاطع مع الحدود ، فقد صار الفدعان والسبعة والرولة رعايا فرنسيين ، والعمارات عراقيين . باستثناء بعض الخارجين على القبيلتين الأخيرتين ، ممن يعيشون بصورة دائمة في نجد ، ثمة اتفاقات رسمية تنظم انتقال قبائل عنزة عبر الحدود وتضمن حقوقهم التقليدية في استخدام مراعي " الخارج " . أدى هذا النظام إلى بعض الحوادث ، التي لم تكتسب أبداً أهمية تتخطى مناطقها ، إذا ما غضضنا الطرف عن حرب الحدود بين العراق ونجد ، التي تجاهلتها الحكومات عن قصد . تراقب الدول الجديدة الصحراء السورية بواسطة وسائط النقل الحديثة ، وتعتبر الطائرة سلاحاً فتاكاً ، ولا يحد من فاعليته أن عنزة صارت أفضل تجهيزاً من ذي قبل . وللعلم ، فقد تغلب الفرنسيون عام 1929م دون كبير عناء على الاستعار الأخير لنار الخلافات بين بشر وضنا مسلم القديم . وبسبب تقييد حريتهم ، يشعر زعماء القبيلة بمرارة الظروف الجديدة ، التي لا يستطيعون تغييرها ، والتي أفضت إلى إفلات زمام السلطة على الصحراء من أيديهم .

[/align]
الشملانيه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس