عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2010, 09:58 PM   #1


 
الصورة الرمزية فواز أبوخالد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 5,685
معدل تقييم المستوى: 339
فواز أبوخالد will become famous soon enough
افتراضي ... لصوص المدينة ...

.. لصوص المدينة ..

أثناء جلوسي في بيت الشعر ، شاهدتهما يدخلان فناء المنزل ، إتجها إلي ، سرني
مجيئهما ، ظننتهما سيؤانسان وحدتي ، من بعيد سلما علي ، سمعتهما يتهامسان ,
تصنع أمامها الحب , منها بالزواج و (كول فطير وطير )
قال أحدهما : لايسمعك جدي ،
أجابه إبن عمه : إذا سمع لن يفهم ،
أحزنني حديثهما ، ظنا أني لا أعي كثيرا مما يقولان ، عدم مبالاتي بما يحصل
حولي في هذه المدينة ، أو ربما الثمانين عاما أوحت لهما بذلك ، مرت كأنها بضعة أيام ،
الطفولة والقرية ، المدينة والوظيفة ، الزوجة والأولاد ، وهاهم أولاد الأولاد ، تغيرت
الأخلاق ، آخر عهدي بالسعادة منذ ستين عاما ، أقارب وجيران كنا نخاف على بعضنا
كأسرة واحدة في تلك القرية الحالمة بين الجبال ، نتشارك أفراحنا وأتراحنا ، قلوبا طاهرة ،
لم تدنسها الحضارة الزائفة ، وما خاضت في مستنقعات الرذيلة ، لا أحقاد ، لا ضغائن ،
لا حقد ، لا حسد ، يرحم كبيرنا صغيرنا ، ويحترم صغيرنا كبيرنا ، إخوة متحابين ، يلتمس
الغني فينا حاجة الفقير ، الرجل أشد حياء من العذراء في خدرها فضلا عن المرأة ، أين هؤلاء
من أولئك ، كنت صغيرا ، في العاشرة من عمري ، عندما سمعت أن إبن جارنا عاشق لإحدى
فتيات القرية ، لم أرهما يوما معا ، في يوم صحو أعقب أياما ممطرة ، دبت الحياة على أثرها
في الأرض وفي النفوس ، كأني أشم الآن رائحة المطر ، بعد أن صلينا العصر ، خرجت
وصعدت الجبل المطل على قريتنا من الغرب ، في تلك الأثناء وأنا على القمة ، حضر ذلك الشاب ،
جلس على حافة غدير الماء خلف الجبل ، بعد لحظات شاهدت تلك الفتاة وهي تخرج من القرية ، تمشي
على إستحياء ، تتلفت وجلى أن يراها أحد ، حثت الخطى حتى وصلت الغدير ، وقفت على حافته
من الطرف الآخر ، و وقف هو في مكانه ، متقابلان من بعيد يتبادلان النظرات ، وأنا أراقبهما من خلف
إحدى الصخور ، أراهما ولا يرياني ، أخذا برهة من الزمن ساكنين كتمثالين ، لم يمسها بسوء ،
بل لم يقترب منها ، وهي بقيت محتشمه ، لم تفسخ برقع الحياء عن وجهها ، بقيا في مكانيهما واقفين
يتحدثان وأنا لا أسمعهما ، ماهم بها ، وماسعت لغوايته ، مكثا مليا ، ثم قفلت راجعة ، جلس في مكانه ،
مضى الوقت سريعا ، شارفت شمسنا على المغيب ، لم أستطع البقاء في الأعلى ، خفت الليل والبرد ، نزلت
للأسفل وكان قد رحل ، يا الله أين الأولين من الآخرين ؟! هل ودعنا العفاف والحشمة منذ وداعنا لتلك القمم ؟!
إقتربا مني ، رديت عليهما السلام ، قبلا رأسي ،
عاتبني أحدهما بقوله : ياجدي لست في القرية فلا تترك باب المنزل مفتوحا ,
سألته ومم تخاف ؟
قال : في المدينة يكثر اللصوص ..!
أشرت لهما أن إجلسا ، إعتذرا أنهما على موعد مهم ، إنصرفا وهما يضحكان من بلاهتي ،
عندما سألتهما بتعجب : حتى الفطير يسرقونه ؟!



................

__________________
__________________
.............
موقع فواز أبوخالد :
..........
فواز أبوخالد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس