عرض مشاركة واحدة
قديم 08-25-2006, 04:02 AM   #1


 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 9
معدل تقييم المستوى: 0
المهلب الرويلي is on a distinguished road
افتراضي عطفة الرولة [ المركب ] بين وهم الدواسر والحقيقة التاريخية !!!!!!

قرأت في منتدى الدواسر الكرام حوارا شيقا مع الشيخ ابن قويد وقد جاء في الحوار اشياء مغلوطه وغير صحيحة فيما يتعلق بالعطفة أو المركب والزعم بأنهم أخذوه من الرولة . ومعروف أن قبيلة الرولة من اشهر القبائل في الجزيرة العربية التي اشتهرت بعطفتها وحيازة المركب دون سائر القبائل والأهم من ذلك هو محافظتها على المركب إلى يومنا هذا وقد شهد لهم القاصي والداني بذلك وعلى رأس من شهدوا بذلك المستشرقون والمؤرخون العرب الذين كتبوا عن القبيلة وزاروها . وبداية أسجل كامل احترامي وتقديري لقبيلة الدواسر الكريمة وهي أحد أكبر القبائل العربية في الجزيرة ولها تاريخ حافل وكبير شأنها شأن معظم قبائل الجزيرة العربية . كما أنوه بشيوخها الكرام من أل قويد وهم أسرة عريقه وغنية عن التعريف وتاريخهم يشهد لهم . ويكفى الدواسر فخرا انتساب اسرة عريقه كالسديري لهم وهم الأمراء أبناء الأمراء وأخوال الملوك . ونحن كقبائل عنزة مازلنا نحفظ الود كل الود لهذه الأسرة خصوصا الأمير والشاعر الراحل محمد الأحمد السديري والذي حفظ جزأ من تاريخ قبيلتنا . ومع ذلك فإني أعترض على ماجاء في الحوار في منتدى الدواسر وأعقب عليه بهذا المبحث المختصر عن عطفة الرولة وتاريخها .
يقول الأستاذ جبرائيل جبور صاحب كتاب البدو والبادية عن عطفة الرولة وقد أفرد لها فصلا كاملا تحت عنوان :
المركب [ الهودج المقدس ] وعلاقته بالعهود القديمة !!!!!
يحتفظ الرولة حتى اليوم بهودج مقدس خاص يسمونه أحيانا [ العطفة ] وأحيانا [ أبو دهور] ويطلقون عليه الأسم الذي يطلق على كل هودج فيقولون : [مركب] .
والمركب شئ مألوف عند كل البدو لاسيما الأغنياء منهم فهو هودج من خشب كالسرير يوضع على ظهر الناقة أو الجمل ، له أعمدة من عيدان ثخينة بارزة إلى فوق بحيث إذا نصب عليه قماش أصبح الهودج خيمة صغيرة أو كنا تتقي به المرأة عند السير نهارا حرارة الشمس .
لقد ألف البدو هذه الهوادج منذ زمن امرئ القيس حين قال ، وقد سمي الهودج غبيطا :
ويوم دخلت الخدرخدر عنيزة : فقالت لك الويلات إنك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معا : عقرت بعيري يامرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه: ولا تبعديني من جناك المعلل.

وقد قرن الهودج منذ عرف بالمرأة فهو خاص بها، ويسمى باسمها إذا ركبت فيه ظعينة وتسمى هي ظعينة وقد قال زهير في معلقته :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن : تحملن بالعلياء من فوق جرثم
بكرن بكورا واستحرن بسحرة : فهن ووادي الرس كاليد في الفم

وقال عمرو بن كلثوم :
قفي قبل التفرق ياظعينا : نخبرك اليقين وتخبرينا .

والمركب البدوي على أنواع ، فمنه ماهو بحق بشكل مركب صغير أو قارب يوضع عرضا على الجمل ، ومنه ماهومستطيل ، ومنه ماهو أقرب إلى المكعب .
أما المركب الذي نحن بصدده أي عطفة الرولة فهو مكعب مستطيل خشبي كالسرير ، مؤلف من قضبان كالأعمدة متشابكة بقضبان أخرى عند رؤوسها وفي أواسطها وأسافلها بحيث يظهر كالقفص دون غطاء ، علوه نحو مترين هو والسرج الذي يوضع تحت الجمل ، وطوله نحو مترين وثلاثة ارباع المتر ، وعرضه في قعره نحو نصف متر ، ونحو سبعين سنتيمترا في أعلاه حيث أن وجه الهودج من فوق أوسع من أسفله .
وهو يختلف عن سائر الهوادج أو المراكب في أنه مزين بريش النعام الأسود ،وأنه يعتبر عند الرولة رمزا مقدسا ولا يستعمل أبدا إلا في الملمات ، فهو دائما في خيمة الأمير ، ولا يخرج منها إلا حين يسير الأمير مع قبيلته في البادية ، وقليلا مايفعل في مثل هذه السنين . وهو يمثل مجد الرولة وعزها ومكانتها ، ومن هنا فهو أشبه بالعلم الكبير يحمله حامل اللواء في الجيش أمام أميره ، فإذا هوجمت القبيلة وكانت المعركة تقرر مصير هذه القبيلة ومكانتها بين القبائل ، يستنفر الشيخ الفرسان والرماة ، ثم يوعز إلى إحدى الفتيات العذارى من بناته أو بنات أسرته فتركب في العطفة على جمل يكون غالبا ابيض .ويحيط بها الفرسان من قبيلتها يتنادون بصيحة الحرب ويقسمون على الموت في الدفاع عنها قبل أن يصل إليها أحد من الأعداء . أنها معركة الذود عن حرمة القبيلة وشرفها وحماها وعزها وكرامتها .
ولا يخلوا الشعر العربي من مواقف يذكر فيها الشعراء كيف أن نساءهم تسير على أثارهم في المعارك تذكي نار الحماسة في المحاربين وتستحثهم على متابعة القتال وتردهم عن أن يتراجعوا أو ينكصوا في الحرب يقول عمرو ابن كلثوم :
على آثارنا بيض كرام : نحاذر أن تفارق أو تهونا
أخذن على بعولتهن عهدا: إذا لاقوا كتائب معلمينا
ليستلبن أبدانا وبيضا : وأسرى في الحديد مقرنينا

ثم أخذت العادة تتبلور عند البدو وتتخذ شكلا له مسحة دينية بحيث اصبح كما هي اليوم عند الرولة . فالعطفة عندهم شي مقدس .
والظاهر أن هذه العادة عادة الإعتماد على فتاة أو امراة تلهب حماسة المحاربين عند الملمات كانت مألوفة في تاريخ العرب القدماء . ولعل يوم حليمة اشهر مايمكن أن نذكر في هذه السبيل ، فقد كان يوما حاسما في تاريخ القبيلة ، وكان أخوها ابن الحارث قد ذبحه أعداؤه ضحية لآلهتهم ، فتنادى أهلها للثأر ، وركبت حليمة في القوم توزع على الفرسان الطيب ، وتحمسهم للثأر ولثبيت ملك أبيها وعز قبيلتها .
وفي معلقة الحارث بن حلزة اليشكري إشارة واضحة إلى مثل هذه العطفة عند ملوك بني غسان حين قال :
إذ أحل العلاة قبة ميسون : فأدنى ديارها العوصاء .
وروي أن عمرو ابن هند لما قتل أبوه وجه أخاه النعمان وحشد مع اخوه من قدر عليه من أهل مملكته ، وأمره ان يقاتل بني غسان ومن خالف من بني تغلب ، فلما صار إلى الشام قتل ملكا من غسان واستنقذ أخاه امرأ القيس ابن المنذر وأخذ بنتا للملك في قبة لها وهي ميسون التي ذكرها الحارث بن حلزة .
ولقد كان يوم الجمل الذي ظهرت فيها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه تخطب في القوم تلك المعركة الفاصلة بين علي بن أبي طالب وبين صهريها الزبير وطلحة رضي الله عن الجميع يوما فاصلا في تاريخ النزاع الداخلي . وقد زعموا أن جملها أصبح كالقنفذ لكثرة ما أصابه من السهام وما بلغوا إليه حتى قتل حوله خلق كثير ، فلما بلغوا إليها وعقروا جملها ووقعت بيد علي أنتهت المعركة وقرر المصير .
ومن تقاليد البدو اليوم أنه متى أسرت العطفة انكسرت القبيلة واضطرت إلى أن ترضح لخصومها وتسلم لهم بالتفوق والغلبة ولا ترد العطفة ، ولايعود للقبيلة المغلوبة حق في حيازة عطفة ثانية .

ولعل سياح الفرنجة في القرنين الأخيرين كانوا أول من تنبه إلى هذه الظاهرة في حياة البدو الحربية . فقد ذكر بيركهارت العطفة في حديثه عن معركة جرت بين عرب الفضول وعرب ابن سمير قرب مزيريب ، وكيف أن ابن سمير اندفع في المعركة إلى وسط جيش الفضول حيث كانت العطفة فجلا المدافعين عنها ، حتى بلغ الجمل الذي يحملها فعقره واستولى على العطفة ، وانتهت المعركة في جانب ابن سمير .
ويحدثنا في موضع أخر أن الطيار وهو من شيوخ ولد علي كانت لديه عطفة ، وأن عرب عنزة وحدهم يحوزون مثل هذه العطفات .
غير أن بلجريف ذكر عطفة عند عرب العجمان وزعم أنهم يسمونها هدية ، وأشر إلى معركة نشبت بينهم وبين النجديين من عرب فيصل بن عبد الله بن سعود في منتصف القرن التاسع عششر انتهت ببلوغ النجديين عطفة العجمان فتقدم فارس منهم نسي اسمه من الفتاة وطعنها بالرمح فقتلها وغلبت على أمرها العجمان وكذلك ديكسون أن هناك عطفات في جنوبي الجزيرة العربية .
أما جوارماني فيزعم كما ذكرنا أن هذه العطفات لم تعد توجد إلا عند عرب الشمال واحدة عند ابن هذال من ضنا بشر والأخرى عند الشعلان شيوخ الرولة .
وزعمت الشي نفسه الليدي آل بلنت ولكنها ذكرت أن سبب زوال العطفة من القبائل الأخرى هو ندرة ريش النعام الذي يزينونها به . وهو رأي غير صائب .
ويذكر موزل أنه كان هناك عطفة عند عرب المصاليخ من عنزة أخذها منهم شيخ القعاقعة من الرولة ، وزعم في موضع أخر أنه كان عند شيخ بني خالد تركي بن حميد ابن عريعر عطفة حين كانوا نازلين في الحسا قرب الخليج العربي . فلما هاجم طرشهم عرب الفضول لم يستطيعوا الصمود ، فارتدوا أمامهم إلى المضارب ولجأوا إلى عطفتهم فأركبوا الفتاة التي نثرت شعرها وأخذت تلهب الحماسة في صدور المحاربين ولكن المهاجمين تغلبوا عليهم وأحاطوا المضارب وبلغوا العطفة وأخذوها . ويزعم بعض البدو أنه كان لكل قبيلة عطفة ولم يبق من القبائل التي استطاعت الأحتفاظ بها إلا اثنان للرولة أحداهما ، وقد ذكر لي الأمير نايف الشعلان وهو من شيوخ الرولة أنه يظن أن هناك عطفة أخرى عند قبيلة نجدية لم يسمها .
أماعطفة الرولة فقد كان الشيخ نوري بن شعلان يستصحبها معه في تنقلاته في البادية مشرقا أو مغربا مع قبيلته ، وقد أشار موزل حيث شرق مع النوري مرة إلى البادية إلى أن العطفة سارت معهم بحماية عبيده ، وأنها تقدمت الظعن ، ولكن الفرسان كانوا في طليعة الموكب ، وأنه كان يفصل بين الفرسان والظعن مسافة ، فكان الفرسان إذا تقدموا الظعن كثيرا بحيث لم تعد ترى العطفة وراءهم ، أمرهم النوري بالتريث في سيرهم أو التوقف حتى تقترب العطفة خشية عليها ،وعلى الظعن من أن يباغتهم خصم أو غزو من القبائل المعادية ولا يقوى العبيد وحدهم على ردهم.
وقد حدثني الأمير نايف حفيد الامير نوري الشعلان وأخو الأمير فواز أن العطفة قد ساعدت الرولة على أحراز نصر عظيم على الدروز في حربهم معهم سنة 1895م . وقد عقب على ذلك في أنه يجب أن تعتبر كاللواء أو العلم للجيش ، وأن الدفاع عنها كالدفاع عن العلم رمز شرف الجيش . ولكن رجالا من قبيلته كانوا يستمعون قوله فيبتسمون . وقد ذكر لي واحد منهم وأنا في مجلسه أن والده كان قد اشترك في تلك المعركة وشهد كيف كانت العطفة نفسها تميل براكبها على ظهر الجمل كأن روحا تحركها فيلتهب المحاربون حماسة بحيث حققوا مثل ذلك النصر . فابتسم الأمير نايف بدوره وقال لي :لا تستغرب إذا قلت لك أن نحو ثلاثين رجلا من هذا الذي يحدثك قد سقطوا حول العطفة في تلك المعارك .
وكثيرا مايحدث في نهار هادئ حار أن يهتز ريش النعام الذي يزين العطفة لنسمة خفيفة هبت ولم يشعر بها أحد . فيظن البدو أن الروح تتحرك فيها . ويزعم البعض ان الرولة كانت تستصحبها في تنقلاتها بين النفود والحماد
وأراضي المعمورة كانت تستهدي بمسيرها ونزولها ورحيلها بالعطفة أي بواسطة الجمل الذي يحملها فإذا وقف مثلا في موضع وابى متابعة السير نزلت القبيلة حيث وقف ونصبت خيامها . وهم يقسمون بها كما يقسمون بالمقدسات المختلفة ، ويزعمون أنها تحميهم ، وكانوا في عيد الأضحى فيما يقال يضحون لها ويرشون أعمدتها بالدم .
المهلب الرويلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس