الموضوع: غربة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-16-2005, 07:16 PM   #1


 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 136
معدل تقييم المستوى: 227
الشلال is on a distinguished road
افتراضي غربة

[align=center]
غربة

جلس متربعاً ... يتأمل قرص الشمس الآيل للغروب ... ويحدث نفسه ... إنها تناضل من أجل البقاء - ليتني أستطيع أن أهبها قناعتي – ولكن ... محاولاتها المستميتة لن تنجح ... فتغير لونها إلى البرتقالي ... يوحي بأنها تفقد المقاومة بالتدريج ... في سكون رهيب ... تلفظ أنفاسها خلف مياه الخليج ... ويرخي الليل سدوله ليزداد البدر تألقاً ... وكأنه يسخر من المصير الذي آلت إليه الشمس .

ملأ أبو صالح رئتيه من هواء البحر العليل وهو يعبث برمال الشاطئ ... ففي مثل هذا الوقت من شهر اكتوبر يكون جو المنطقة الشرقية في أفضل حالاته ... الماضي يتحرش بذاكرته ... وهو يدفعه برفق ... الذكريات ... فيها لذة ... وتثير أشجاناً ... ولكن ماذا بقي له من أسباب المتعة ... يتمنع قليلاً ... وأخيراً ... يجيب داعي اللذة ... فيطلق لخياله العنان ... وهو يتمدد على ظهره ... واضعاً كفيه خلف رأسه .

بالأمس القريب ... في حفل زواج أحد أحفاده ... انتابه شعور مؤلم بالغربة ... " لا الدار دار ولا الجيران جيران " ... أكبر الحضور سناً يصغره بعقدين ... الجميع يقبلونه ... ثم يسرعون الخطى ... إلى حيث يجدون أقرانهم ... نظرات الشفقة تمزق نياط قلبه ... لقد أيقن بهوانه على الناس ... حتى وان جاملوه ... فأصدقهم حديثاً ... أثقلهم ظلاً ... الذي لا يفتأ يردد " الله يحسن خاتمتك " ... كأنه يستعجل رحيله ... لقد وهن عظمه ... وخبا توقده ... وأصبح يضيق ذرعاً بحياته.

تذكر ... حينما قدم إلى الرياض ... من قريته الغافية في أعماق الصحراء ... بداية الأربعينات الميلادية ... كان مملؤاً صحةً ونشاطاً ... يتذكر جيداً كيف أن أصدقاؤه كانوا يعترفون بتفوقه عليهم ... "سبحان الله ... ردت تلك القوة ضعفاً " ...تمر أطيافهم ... في ذهنه ... ببطء ... كشريط سينمائي .

أبو علي ... بابتسامته الهادئة ... واتزانه المعهود ...كان من أقربهم إلى نفسه ... وأخذ يتمتم "رحمة الله عليه" ... عندما تذكر ... أنه توفي ... بسبب حادث ... اثنا عودته من أداء العمرة في أواخر رمضان ... خاتمة خير لذلك الوجه السمح.

أبو زيد ... بطوله الفارع ... ووجهه الجامد ... الذي لا يحمل أي تعبير ... حاد الطباع ... سريع الغضب ... يحمل هموم الدنيا منذ أن فتح عينيه عليها ... وبصوت مسموع "رحمه الله" ... فقد غادر هذه الدنيا ... بعد أن قضى ما يقارب السبعين عاماً ... بسبب جلطة.

وأصبحت صور أقرانه تترى ... مصيرهم واحد ... وان تعددت الأسباب ... زفر زفرة عميقة ... لسان حاله يقول " سئمت الحياة " ... وفاضت عيناه.[/align]

التعديل الأخير تم بواسطة الشلال ; 11-16-2005 الساعة 07:24 PM
الشلال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس