متى يكون تحويل الجنس مقبولا؟

ليلى أحمد الأحدب
[align=center]متى يكون تحويل الجنس مقبولا؟
مما يتعلّمه طالب الطب وهو على مقاعد الدراسة أن الحالات السريرية التي يراها ويتابعها في المستشفى هي التي سوف يتذكرها مستقبلا, بينما تختفي الأمراض التي يقرأ عنها دون مشاهدة في غياهب الذاكرة, ولذلك لا أنسى حالة ذلك الرضيع الذي أحضره أبواه من الريف لأجل مرض عارض إلى طبيب العيادة الخارجية في المستشفى الجامعي عندما كنت في السنة الخامسة لدراسة الطب, فقام الطبيب بالكشف على الطفل وهو يعلّمني - وزميلة أخرى - أهمية فحص الطفل عضواً عضواً, وبعد أن فحص القسم العلوي من جسد الرضيع سأل أبويه عن جنسه فأجاب الأب الريفي البسيط بفرح: هو ولد, فجامله الطبيب بكلمة طيبة بينما امتدت يده إلى ملابس الطفل الداخلية السفلية ليكشف عن الأعضاء التناسلية, وسرعان ما تحولت تعابير وجهه إلى الغضب ليحوقل ويقول بصوت منخفض: إنه ليس ولداً, ثم رفع صوته سائلا الأم عن استعمال أي دواء خلال فترة الحمل, وتابع ناصحاً الأب بقبول إدخال الطفل للمستشفى لدراسة حالته وتعيين جنسه.
لا أنسى هذا الطبيب المحب لمهنته ولتعليمنا نحن الطلاب المبتدئين مع أنه لم يكن أستاذاً بل كان طالب دراسات عليا في طب الأطفال بالسنة الأخيرة إذ كان النظام يقضي بعمله في العيادة الخارجية, وقد شرح لي ولزميلتي ما رآه على أنه أعضاء تناسلية مبهمة, تنتمي غالباً إلى الطفلة الأنثى وتحصل بسبب خلل في إفراز الهرمونات لدى الأم الحامل, ولا بد من إجراء عملية تصحيح الجنس بعد دراسة الأعضاء التناسلية الداخلية لمعرفة توافقها فيصحّح جنس الطفل على حسب ذلك, والأفضل إجراء دراسة صبغية لمعرفة الانتماء الكروموزومي للطفل وهل هو ذكر أو أنثى.
كان هذا درساً لا أنساه وإن كنت لا أنسى أيضاً نصيحة أستاذينا طبيب الأطفال وجراح البولية التناسلية أن أي عملية لها علاقة بتصحيح اضطراب الجهاز التناسلي يجب أن تتم قبل بلوغ الطفل سن الرابعة لأن الذاكرة طويلة الأمد لا تكون فاعلة, لذلك فإن الرضّى النفسي الناجم عن العملية تمحى آثاره بسهولة عكس ما هو الحال إذا تركت العملية لما بعد الرابعة, ومن هنا فإن طبيب الأطفال يتحمّل مسؤولية كبيرة في الكشف عن حالات الخلل التناسلي دون تبرئة ساحة طبيب النساء والولادة الذي يجب أن ينبّه الأم الحامل بعدم استعمال أي دواء دون نصيحة طبية.
هذه دروس من حياتي الدراسية الطبية, لكن لا بد أن كثيرين غيري تعرضوا لبعض الخبرات الحياتية عبر تلامسهم مع فتاة تشبه الرجال أو ذكر يتّسم بخجل الأنثى, وقد نبهت في بعض مقالاتي إلى ضرورة الاهتمام بإعطاء الطفل هويته الجنسية كذكر أو كأنثى بعد بلوغه السنتين من العمر, فاختلال الجنس ليس دائماً ناجماً عن سبب عضوي بل هناك كثير من الأساليب التربوية الخاطئة المسؤولة عن ذلك, كأن يترك الولد حراً في تقليد أخواته البنات, أو أن تشتهي الأم طفلة فتحوّل ابنها إلى شكل أنثوي برباط الشعر والملابس وهي تضحك دون أن تدرك أنها قد تبكي في النهاية, وما يحدث للطفل يحدث للطفلة, مما يشكّل لديها صفات ذكورية غير مستحبة اجتماعياً في المستقبل, وينعكس هذا الرفض الاجتماعي عليها بازدواجية مرضية, تدخلها ضمن فئة الحائرين جنسياً.
نشرت صحيفة الرأي الكويتية في يناير الماضي تقريراً حول هذا الموضوع إذ طالب الحائرون جنسياً السلطات الكويتية بإعادة النظر في قانون "تجريم التشبه بالنساء" وذلك بعد اعتقال عدد كبير منهم رغم أنهم مضطربون نفسياً ولديهم ملفات في الطب النفسي, فطالبوا بإيقاف العمل بالقانون لحين وضع تصور يعالج قضاياهم ويضع حلولا لمشاكلهم بحيث تحترم آدميتهم وتعالج مشاكلهم النفسية لحين الوصول إلى علاج شاف لهم, بدل وضعهم في السجون مع المجرمين وتجار المخدرات مما يعرضهم للاغتصاب في السجن, وقد نشرت الصحيفة صورة لأحدهم دون إظهار وجهه باسم سعاد, ونقلت قولا عن آخر باسم رنا, وهكذا...
سأحاول حسب معلوماتي الطبية شرح بعض الخلل الذي يحدث بشكل متكرر أكثر من الخلل النادر كي لا يدخل القارئ في معمعة معلومات طبية لا فائدة كبيرة منها, لأن الغاية هي أن ننظر لبعض المصابين على أنهم مرضى وبحاجة لعلاج قبل أن نحكم عليهم بالإعدام الاجتماعي:
هناك خلل يعرف بمتلازمة تورنر حيث يكون للشخص مظهر أنثى قصيرة مع رقبة جناحية بينما يكون نموذجها الصبغي هو xo أو بعض الخلايا ذات xx وبعضها الآخر xo, وأما المبيضان فهما خيطيان أي ليس لهما عمل غدة أنثوية ولذلك علاج هذه الفتاة يكون بالدعم بالهرمونات الأنثوية مع الانتباه لمحاذيرها, وبالمقابل هناك خلل في الذكر يسمى متلازمة كلاينفلتر يكون فيه طويل القامة نحيلا رفيع الصوت, وقد يكون لديه ثديان بارزان قليلا, وأما الأعضاء التناسلية الظاهرة فقد تكون طبيعية أو لا, وأما النموذج الصبغي فهو تكرر الصيغي x بحيث يكون xxy, وكلا المصابين بالمتلازمتين لديهما درجة من التخلف العقلي.
هذا على المستوى الصبغي أما على المستوى الغدي فهناك الحالة النادرة التي توجد فيها الغدد الأنثوية والذكرية معاً, ولكن الحالة الأكثر انتشاراً هي المتلازمة الغدية الكظرية, والكظر هي غدة فوق الكلية تفرز هرمونات أنثوية وذكرية بالحالة الطبيعية, وعندما يزيد إفرازها من هرمون الذكورة يصبح للطفلة مظهر في أعضائها التناسلية كمظهر الذكر, كالحالة الذي ذكرتها في بداية المقالة, إضافة إلى ظهور الشعر في سن مبكر أو حتى البلوغ المبكر؛ وفي الذكور يوجد متلازمة يكون لدى الشخص غدد أنثوية داخلية أو هي خصية هاجرة, إضافة إلى وجود الثديين, مع وجود أعضاء تناسلية خارجية مبهمة, أما الصيغة الصبغية فهي لذكر.
المقصود من كل هذا الكلام أن هناك خللا لدى بعض الأشخاص هو بمثابة ابتلاء من الله سبحانه, وإذا وجد له علاج فيجب القيام به, كعمليات تصحيح الجنس التي أجريت للشابين وليد وأخيه التي نشرت صحيفة الوطن قصتهما في الأسبوع الماضي, ولكنها مأساة فعلية أن يتم التعامل معهما كفتاتين طوال هذه المدة, فإذا كان طبيب الأطفال الذي تابع الولادة غير منتبه لجنس المولود ولا أي طبيب آخر, فيبدو لي من الخبر أن الأم المسكينة كانت تعلم أن علامات البلوغ الأنثوية غير موجودة.
تراجعني نساء تزوجن بعمر فوق العشرين وهن لم يأتهن الحيض أبدا, ويراجعني شاب تزوج بقريبته لكن المعاشرة كانت صعبة جدا, ثم فهمت أنها لم تر الطمث مع أنها في منتصف العشرينيات, وعندما أجريت لها تحليلا للهرمونات تبين أن لديها قصوراً بدئياً في الغدة النخامية, مما يعني أنها لن تحيض طوال حياتها كما أنها لن تنجب, فهذا غبن كان يجب أن يترفّع أهل البنت عن فعله عن الغريب فما بالك بالقريب؟!
أعتقد أن مجتمعاتنا العربية وجالياتنا الإسلامية بحاجة إلى جرعات مكثفة من التوعية, فقد قرأت قصة كريمة الهولندية التي تحولت إلى أثنى بعد بلوغها سن 22 سنة ثم دخلت الإسلام لعلها تجد فيه الراحة, ووجدتها لكن الجالية المسلمة نبذتها وطلب منها أحد الأئمة أن تعود ذكراً كسابق عهدها ليمكنه قبولها في المسجد, ولكن هذا مستحيل, علماً بأنها لم تتحول لأنثى إلا بوجود دافع نفسي شديد, وكان من المفروض معالجتها نفسياً, لذلك فكل حالة بحاجة إلى دراسة خاصة قبل أن يقرر وضعها ليس طبياً فقط بل وفقهياً أيضاً.
[align=left]* طبيبة وكاتبة ومستشارة اجتماعية [/align]
[/align]

التعليق

نقلت لكم هذا الموضوع للاسباب التاليه
1- هدف نشر مثل هذه التنبيهات المهمه للاسره وخصوصا الوالدين
2- معالجة من ابتلاه الله بهذا الوضع والتعامل معه كمريض
3- بعض وانا اقول البعض من خلال تصرفاتهم وميولهم يحتاجون الى اعادة الفحص وتصحيح اوضاعهم

[align=center]لا أله الا الله
وفي خلقه شؤون

أشكرك أخوي أبو وايل على هذا الموضوع ودمت لنا سالما
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/align]

[align=center]ولد شمر

شاكر لك تواجدك ودمت بخير[/align]