منتـدى الأدب العــربـــي الشعر - النثر - الخواطر- مؤلفات

     
     
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
    Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
    قديم 12-05-2005, 01:24 AM   #1


     
    الصورة الرمزية فواز أبوخالد
     
    تاريخ التسجيل: Nov 2005
    المشاركات: 5,685
    معدل تقييم المستوى: 339
    فواز أبوخالد will become famous soon enough
    افتراضي المتسول .....

    ...................
    نظرات حائرة تستجدي قائدي المركبات تؤازرها يد مكورة كالمغرفة، أجاد تكويرها هذه المرة بطريقةٍ احترافيةٍ يغبط عليها، كان يمدها أمام السائقين قائلاً بصوته العذب الحزين : ساعدوني ساعدكم الله، ويتبع صوته الكسير بحركةٍ رتيبةٍ يخفض بها يده ويرفعها، كأنه يستحث السائق بصوتٍ لا يسمع، اخرج ما في جيوبك من أوراق النقد وبقايا الصرف التي أتخمت محفظتك الجلدية، وقد يتجرأ حيناً إذا لمس من السائق تجاهلاً متعمداً لصوته ويده المكورة، فيقحم مغرفته ( يده ) داخل النافذة حتى يصل بها إلى ذقن السائق في وقاحةٍ لا مثيل لها، وإقدامٍ جنونيٍ يحسد عليه، وكم نهرته الأصوات، وهددته الصرخات، وتلاحقت على خده الصفعات، لكنه لم يعد يبالي أو يحس، لقد أصيب بالخدر التام وأصبح بليد الحس لكل ضروب الإهانات والشتائم والتوبيخ، كانت له فلسفته الخاصة في السؤال والاستجداء، كان يستجدي القوم وهو يسخر بهم في قرارة نفسه، كان متسولاً فريداً .

    يرمق الضوء الأخضر حتى يعلوه اللون الأصفر، فيقفز إلى وسط الشارع بيده الشبيهة بالمغرفة قبل أن يومض اللون الأحمر آمراً جميع المركبات بالوقوف في تلقائيةٍ رتيبةٍ مملةٍ، وقد كاد أن يفقد حياته أكثر من مرةٍ لولا ستر الله تعالى ورحمته، لديه نصف دقيقةٍ فقط اكتسبها بالممارسة والخبرة لاقتناص الفرص أمام هذه الإشارة الكامنة عند فندق الشيراتون بمدينة الرياض، نصف دقيقةٍ فقط، وقد علمته الحياة أن لا يستجدي أصحاب المركبات الفخمة، فهؤلاء قد طمس الله على قلوبهم فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوةٍ إلا من رحم الله، لكنه كان يتلذذ بالسخرية بهم وإيهامهم أنه سيمد إليهم يده المكورة، فكان البعض منهم يسارع برفع نافذته عالياً دفعاً لإزعاج هذا المتوسل وإلحاحه الغريب، كانت عينه المدربة كالرادار تلتقط أدنى حركةٍ يقوم بها كتف السائق، ليغير المتسول مساره إلى مركبةٍ أخرى ساخراً ومستهزئاً بصاحب الكتف المتحرك !! كانت له فلسفته الخاصة في إيهام نفسه إنه أذل السائقين وعذبهم ! كان يقول في نفسه : لقد أوهمته وعكرت صفو يومه، ولم أمد إليه يدي، جشم نفسه عناء الحركة، وأسبغت عليه وابلاً من التوتر !! سحقاً لك !! وكان يتبع إذلاله لهم يشتيمةٍ يودعها نفسه، وقد يخنقه اليأس وتدفعه الوقاحة أحياناً إلى أن يمم وجهه شطر إحدى المركبات الفخمة، ليطرق الزجاج على صاحبها الذي يرمقه في ازدراء أو يتقدم بمركبته قليلاً محاولاً التملص من إزعاجه، غير أن صاحبنا لا ييأس ويصر على تعكير جو السائق العام، ويحدث أن يفتح السائق النافذة أحياناً فيدور هذا الحوار بينهما .

    السائق : الله يعطيك .

    المتوسل : ساعدني الله يساعدك .

    السائق : ما تفهم الله يعطيك !؟

    المتوسل : اعطني من مال الله لا من مال أبيك ولا أمك !

    السائق : والله شين وقوي عين، وقح وقليل الأدب .

    المتوسل : أنا شحاذ، لكن أنت وش تصير !؟ مجرد حرامي !!

    يحاول السائق صفعه أو ضربه، فيتفادى المتسول ضربته برشاقةٍ يحسد عليها، ليقف على الرصيف ساخراً بالسائق، وهكذا، وقد تغلبه الحسرة حيناً ويخنقه اليأس ويستبد به الألم، فتغرق عينيه دموعاً حقيقيةً في حزنٍ صادق على نفسه وحاله، كانت نفسه تنكسر إذا هدها التعب وأضناها الجوع، أو إذا رأى مركبةً عائليةً ( فان ) تضم رب الأسرة مع أطفاله وزوجته، أو إذا وقف على مركبةٍ تضم في جوفها ذوات الخدور من القوارير مع سائقهن الخاص، كان يقف عليهن قائلاً بصوته الشبيه بمواء قطةٍ جائعةٍ في ليلٍ شديد البرد : يا قوارير رفقاً بنا نحن معاشر الشحاذين ! فنحن فقراء جوعى، قلوبنا حزينة، وأرواحنا جريحة، ونفوسنا كسيرة، نقصر طرفنا، ونغض أصواتنا، ونتجرع الذل والقهر والمرارة والحرمان، نحن الفقراء لا أبا لكم أيها الأغنياء !!

    كان يصطدم كثيراً ببعض السفهاء وكان يجذ لذته القصوى في التلاسن معهم والسخرية بهم، فذات يومٍ قال له عابث : أنتم أجانب خربتم اقتصاد البلد ونهبتم ثروات الوطن وشوهتم الشارع !! كم تكسب في اليوم ها !؟

    أجابه صاحبنا بسخرية اللاذعة : أنا سعودي يا حيوان، وأنا وطني حتى النخاع، ولا أدل على وطنيتي من استجابتي الفورية لنداء معالي وزير العمل الدكتورغازي بسعودة جميع وظائف القطاع العام بما فيها قطاع الشحاذة، إنني أتمثل المقولة الخالدة لمعاليه : كن وطنياً ووظف سعودياً، لقد سعودت الشحاذة يا أستاذ وهذه بطاقتي الوطنية يا عريض القفا !

    قاطعه العابث : طيب رح اشتغل زي الأوادم واليد العليا خير من اليد السفلى، ثم ألم تسمع بالصندوق الوطني لمكافحة الفقر !؟ ضحك المتسول قليلاً : اشتغل !! أين وكيف، ثم إنني لم أسمع من قبل بصندوقٍ وطنيٍ لمكافحة الفقر ولا صندوقٍ عالميٍ حتى، سمعت بمكتب مكافحة الجريمة فقط ! هل سمعت أنت شيئاً عن هذا الصندوق ! ؟

    قطع الضوء الأخضر نقاشهما المحتد، وتحرك العابث بعد خنق دواسة الوقود بقوةٍ ليحدث صريراً مزعجاً حاول أن يداري من خلاله حجج المتسول التي انهالت على رأسه، كان العابث يحدث نفسه لقد أفحمني هذا المتشرد ولابد من رد الصاع صاعين، لم يتمالك نفسه وهو يقوم بدورانٍ عكسيٍ غاضب أن يكيل مختلف الشتائم في سره لذلك المتسول سليط اللسان، عاد مرةً أخرى إلى نفس المكان وتمهل قليلاً ليتوافق وقوفه مع سطوع الضوء الأحمر، توقفت مركبته بجوار المتسول وأخرج السائق رأسه من المركبة ليقول للمتسول : تراك إنسان كسلان وقليل الأدب والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : الذي يسأل الناس تكثراً إنما يسأل جمر جهنم فليقل أو ليكثر أو كما قال عليه الصلاة والسلام !

    أجابه المتسول : ألم تقرأ قول الله تعالى : فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر، وأتبع حجته برشقةٍ من قارورة فارغةٍ من مياه الصحة، أصابت العابث في وجهه، ليطلق المتسول ساقيه للريح، ويداري العابث فضوله وخزيه بخنق دواسة الوقود مرةً أخرى وهذه المرة إلى جهةٍ مجهولةٍ !


    منقول من الساحه العربيه ........
    __________________
    .............
    موقع فواز أبوخالد :
    ..........
    فواز أبوخالد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
     


    الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
     

    تعليمات المشاركة
    لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    لا تستطيع الرد على المواضيع
    لا تستطيع إرفاق ملفات
    لا تستطيع تعديل مشاركاتك

    BB code is متاحة
    كود [IMG] متاحة
    كود HTML معطلة

    الانتقال السريع


    الساعة الآن 10:13 AM.


    Powered by vBulletin® Version 3.8.8
    Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.