..... غريبه جدا ....؟

من الخفاش الأسود ...........
عمل العراقي يونس بحري في القسم العربي بهيئة الإذاعة الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية بأعوامٍ، واستمر في عمله إلى أن سقطت برلين ليفر منها هارباً إلى خارج الحدود الألمانية، بعد أن وضعت قوات الحلفاء رأسه على قائمة المطلوبين أمنياً، لأنه كان بوقاً مزعجاً جداً للنازيين ضد دول المحور وعملائهم من العرب، وقد كتب مذكراته عن تلك الحقبة في كتابٍ جيدٍ في الجملة من أربعة أجزاء ( مذكرات مذيع عربي في الإذاعة الألمانية ) ضمنه معلومات فضائحية عن نفسه وعن بعض أزلام العرب الذين توافدوا إلى ألمانيا في تلك الفترة، ورسموا صورةً سيئةً وسلبيةً عن بني يعرب، والقضية عندي لا تكمن في تلك الصور المنحرفة لتصرفات الإنسان مسلماً كان أم عربياً، فكل منا يمثل نفسه فقط ولا يمثل غيره، والله جل وعلا يقول ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى )

على أية حالٍ، سألت أديباً عراقياً جمعتني به الأيام ثم بعدت بيني وبينه الشقة عن الرجل، فقال : نطلق على كتبه نحن الأدباء مسمى ( الأدب الفضائحي ) ثم انتقد كتبه انتقاداً جيداً، استوقفني من كتاب المذكور قصتان طريفتان، أوردهما هنا للدلالة على أن الارتزاق لا دين له ولا جنسية ولا هوية، فكما أن هناك مرتزقة عرب، فهناك مرتزقة ألمان وبريطانيين وأمريكان وطليان بل وحتى يا بانيين، ومحدش أحسن من حد، والجوع كافر، عقيدة خارجية تؤمن بها جميع الشعوب المثقفة وغير المثقفة، الجائعة منها والمصابة بالتخمة من الشبع، إلا من سما بنفسه إلى ذرى العلياء وحلق بأخلاقه ودينه ومبادئه مع الملائكة في شاهق السماوات ولم يكن من أهل الدنيا، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ..... الحديث .

قال يونس بحري في كتابه : هاتفني ضابط مسؤول في جهاز الجستابو الألماني أن اقدم إلى مقر الجستابو فوراً لأمرٍ خطيرٍ جداً، وكانت العاصمة الألمانية برلين تتعرض لقصفٍ شرسٍ جداً من طائرات الحلفاء، يقول يونس : ما إن بلغني اسم الجاستابو وقرع سمعي حتى ساخت الأرض بقدمي ولم أعد أرى ما أمامي، لأن الذي يدخل إلى ذلك الجهاز أو يستدعى إليه لا يخرج منه إلا في رحلةٍ سريعةٍ إلى العالم الآخر، أو يخرج منه معطوباً قد فقد عضواً واحداً على الأقل من أعضاءه، ولم يكن يونس يملك خياراً في الاختفاء أو الهروب أو اللجوء إلى صديقٍ، فلا أحد فوق سلطة الجستابو إلا الزعيم أدلف هتلر وقائد الجاستابو السفاح هملر، لم يجد يونس بداً من جر قدميه جراً إلى مقر الجهاز الاستخباراتي في العاصمة الألمانية برلين، يقول : فدخلت إلى مقر الجهاز الأمني وسألت عن الضابط المسؤول وأنا أضرب أخماساً في أسداسٍ حتى وصلت إليه .

يقول : أشار الضابط بيديه إلى زاويةٍ في مكتبه قائلاً : هل تعرف هذا الحيوان الواقف هناك !؟ يقول يونس فنظرت إلى تلك الزاوية فرأيت صديقاً عربياً ينتفض من الرعب كعصفورٍ بللته عاصفة هوجاء، وكان ذلك الصديق التعس يعمل معنا في هيئة الإذاعة الألمانية، قلت له : نعم أعرفه، قال الضابط : ألقينا القبض على هذا الحيوان مخموراً وهو يسب ويلعن رأس الزعيم أدلف هتلر !!

وسب الزعيم أو القائد أو الملك معاشر السادة الكرام تهمة سافرة تمشي بلا قدم، تكلفك حياتك ومستقبلك وشرفك وكرامتك، وتفتح عليك أبواباً من الجحيم الذي لا طاقة لك به، وهي أشد جرماً من سب الله وسب رسوله عليه الصلاة والسلام، والطعن في الدين والزندقة والكفر والعربدة، افعل ما تشاء ولكن لا تسب زعيماً أو ملكاً أو حتى قهوجياً من الدرجة الثالثة يمت بصلة قرابةٍ لمسؤولٍ حزبيٍ في دولةٍ عربيةٍ أو دولةٍ لا تحترم القانون، وفي هذا يقول أحمد مطر ساخراً :

فأنكر خالق الناس - ليأمن خانق الناس ولا يرتاب في أمري

لأن الكفر في أوطاننا لا يورث الإعدام كالفكر

قال يونس : فألقيت محاضرة على ذلك الصديق بأنك هالك لا محالة، وأن الجريمة التي اقترفتها في حق رأس الزعيم النازي تقف في صفٍ واحدٍ مع جريمة الخيانة العظمى بل تفوقها، قاطعه الضابط الألماني بقوله : مسألة سب رأس الزعيم الألماني مسألة قد نصفيها فيما بعد ونتفاهم عليها جيداً، لكن الذي يعنيني الآن ويشكل حجر الزاوية في هذه القضية برمتها يكمن في هذا السؤال الحيوي، من أين لك هذه الكمية الكبيرة من الخمور التي لعبت برأسك وزودتك بهذه الجرأة الوقحة لسب رأس الزعيم الألماني ؟ هيا بنا إلى خمارتك أيها البطل !! سقط رأس الزعيم والزعيم نفسه ومخاوي الزعيم ( مو خوينا ) وألمانيا في سبيل قارورة خمرٍ واحدةٍ ! ألم أقل لكم إن الجوع كافر وأن الارتزاق وبيع المبادئ لا دين له ؟

أما القصة الثانية فكان بطلها يونس نفسه، يقول : قمت باقتياد خروفٍ من الخرفان إلى خرابةٍ شبه مهدمةٍ أصابتها قنابل الحلفاء، وهناك قمت بنحره متوارياً عن أعين الشرطة والفضوليين وجهاز الاستخبارات، لأن الحكومة الألمانية قررت حصصاً من الطعام والتبغ لكل مواطنٍ ألماني ومقيم لا يجوز له بأي حالٍ من الأحوال أن يتجاوزها وإلا فإنه سيعرض نفسه للعقاب الذي قد يصل إلى حد الإعدام، يقول : بدأت بسلخ الخروف بعد نحره لأفاجئ برجل شرطةٍ سريةٍ يقف على رأسي، يقول : فمادت بي الأرض وأيقنت بالهلاك، قال له الشرطي : لا عليك، أكمل عملك وسأقوم بتوفير كامل الحراسة لك، يقول يونس بعد أن فرغت من عملية الذبح والسلخ والتقطيع، أعطيته فخذةً كاملةً من الخروف، فكاد يحملني على عنقه من فرط حبوره وسروره وغبطته، وقال لي شاكراً وقد اغرورقت عيناه بالدموع : سأصلي لأجلك أنا وأولادي هذا المساء !!

أنى اتجهت تراهم وتسمع أصواتهم وتقرأ مقالاتهم، المرتزقة، يعملون لجميع الأطياف وفي مختلف الوظائف، فتارةً شيخاً جليلاً يسبح الإله ويسكب الدمعة في المحراب وتخنقه اللقمة !! أقصد العبرة، يفتي بالحلال لتحليل الحرام، وللحرام لتحريم الحلال، ويقلب المكروه مباحاً وهو يثغو باااعٍ بااااعٍ بااااعاً، وتارةً يحلق اللحية والشارب فيشبه وجهه قفاه، ولا تستطيع تمييزه إذا أقبل إليك هل هو مقبل إليك أم مدبر عنك، مرتزق من العيار الرخيص جداً، يكتفي بربع كبسة فقط ليعطيك فتوى، فاق شيوخ جمال عب الناصر والذين قال فيهم : دول بفرخة يدوك فتوى، ليته عاش ليرى أن البعض منا يعطي فتوى بربع كبسةٍ فقط على حسب أسعار السوق، ربع كبسةٍ فقط، وإذا زدته علبة غازية أعطاك عرضاً، فتوى مجانية عليها ضمان لمدة خمسة أشهرٍ، وتنفع للتسوق في محلات هايبر بنده .

انتفض أحدهم يوماً وقد قرع سمعه تغييراً وزارياً مرتقباً سيطال الجميع، اصفر لونه وتهدرج صوته وهو يقول بصوتٍ أقرب ما يكون إلى البكاء : هل مدد المقام السامي لي في منصبي أم لا ؟ وعندما بلغه التمديد ندت عنه تنهيدة ارتياحٍ تامةٍ الحمد لله، نسيت أن أخبركم : إنه محسوب على أهل الفتوى، وابن سيرينٍ يرحمه الله يقول ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) عن الرجال، أم أصحاب مقولات : كم وصل فلانة ؟



أحفَيتُ عُمري.. وأنا أبحثُ عن ( شَريفْ ) مُنذُ تَوارى فَجأةً في الزَّمنِ المُخيفْ


طَفِقْتُ طُولَ الوَقتِ أستفسرُ عن أخبارهِ وَأسألُ الرُّكبانْ.


لكنَّني لِلآنْ لم أستطعْ أن أعرفَ الصِّدقَ مِنَ التأليفْ :


سَمِعتُ يوماً أنّهُ فَـرَّ إلى طهَرانْ، وَدُونَ كُلِّ رَهْطِهِ قد عاشَ فيها عاطِلاً إلاّ عَنِ الإيمانْ !


وَقيلَ، يوماً، إنّهُ مُختبىءٌ في الرِّيفْ . وَقيلَ، يَوماً، إنّهُ يَقبَعُ في التّوقيفْ .


وَقيلَ إنّهُ مَضى، سِـرّاً، إلى عَمّـانْ لكنّهُ لَمْ يَشتَرِ الخُبزَ بماءِ وَجْههِ فَماتَ بالمجّانْ !


تَبعْتُ آلافَ الرّواياتِ ولكنْ لَم أصِلْ يَوماً إلى شَريفْ .

وآذَنَتْ أقدارُنا أن يَسقُطَ الطُّغيانْ، فَعادتِ الآمـالُ لي في أن أراهُ عائداً بعَودةِ الأوطانْ .


ها هُو ذا زَمانُهُ المأمولُ مِن زَمانْ، هُوَ المُرجّى وَحْدَهُ أن يَربطَ الجُرحَ بطيبِ أصْلِهِ وَيَقطعَ النّزيفْ .


هُوَ المُرجّى وَحْدَهُ أن يَطبعَ العفَّة في قُلوبناِ بِطبْعهِ العَفيفْ .


هُوَ المُرجّى وَحْدَهُ أن يَرفعَ الفَسادَ عن دُروبنا وَيكنُسَ الإخلافَ وَالتّسويفْ .


تَبعِتُ مَجرى أمَلي مُسْتقصِيًا عن بَطَلي : دُرْتُ على مُختلِفِ الأحزابِ


لكنْ لَم يَكُن في أيِّها شَريفْ . بَحثتُ في دَوائرِ البناءِ والتّنظيفْ لَم يَبدُ لي شَريفْ .


فَتّشتُ في مَصارفِ الإنماءِ والتّسليفْ ما لاحَ لي شَريفْ . سَألتُ في أجهزةِ الأمنِ وَنقّبتُ لَدى مَراكزِ التّوظيفْ

ما بان لي شَريفْ .


طَرَقتُ أبوابَ الوِزاراتِ وَأبوابَ السِّفاراتِ وأبوابَ المِليشْياتِ وَقَطَّعتُ حِبالَ الصّوتِ مِن تساؤلي :
- هَل ها هُنا شَريفْ ؟
كانَ الجَوابُ دائمًا :
- لَيسَ هُنا شَريفْ !

أدعو وَقلبي طافِحٌ برَغْوةِ الأحزانْ : يا واسِعَ الإحسانِ، يا حَنّانُ يا مَنّانْ، عَبْدُكَ قد أهلكَهُ التّفتيشُ عن شَريفْ


فَابسُطْ ضِياءَ وَجْهكَ الوَضّاءِ يا لَطيفْ، لِعَبْدكَ الضَّعيفْ، لَعَلَّهُ سَيَهتدي، يَومًا، إلى شَريفْ !


يقول الدكتور عبد الله الحامد في آخر شطرٍ من قصيدته منعوا عنه المعاش : إن الحياة مبادئ ما عاش من عبد المعاش .

ويقول الخفاش الأسود : بلا مبادئ بلا بطيخ .

كم عالم عالم أعيت مذاهبه – وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأفهام حائرةً – وصير العالم النحرير زنديقاً

منقول من الساحه السياسيه ..........

اخوي القناص مشكور علي هالنقل الرائع

مشكور أخي كامل على المشاركه والتشجيع ..........